كان يمكن أن نقرأ في العنوان الرئيسي: “انتحار بوريس نيمتسوف” بإطلاقه أربع رصاصات في ظهره فيما كان يعبر جسراً على مرأى من الجميع في موسكو. إنها عملية اغتيال نكراء لن يُفَكّ لغزها وعلى الأرجح أن مرتكبيها سيفلتون من العقاب. كما أنها تُغرق روسيا أكثر فأكثر في نظريات المؤامرة والألغاز الجديرة بكتب الخيال. لكن هذه النظريات والألغاز تشقّ طريقها باستمرار نحو العناوين الإخبارية.
يبدو أن نيمتسوف “انتحر” عندما قرّر توجيه دعوة للمشاركة في مسيرة الأحد المقبل احتجاجاً على الحرب الروسية في أوكرانيا، الأمر الذي يسلّط الضوء على معارضته الشديدة والعلنية للرئيس بوتين وسياساته في أوكرانيا. ليس المقصود بذلك أن لبوتين علاقة بالاغتيال. فقد ندد الرئيس الروسي بمقتل نيمتسوف وأمر بفتح تحقيق في الجريمة. وما يزيد عنصر التشويق في هذا اللغز هو التصريحات التي أدلى بها “مسؤولون” روس لم تكشف هويتهم، وادعوا فيها أن عارضة أزياء، إلى جانب التطرف الإسلامي، خلف مقتل نيمتسوف.
إنه مثال تقليدي عن الجرائم التي لا يُكشَف النقاب عنها. قد يبدو من غير الوارد أن يأمر الرئيس بوتين بتنفيذ مثل هذه العملية الواضحة أو أن يوافق عليها. ولكن في الوقت نفسه، من الاستهتار التفكير في أن ملاقاة نيمتسوف المصير الدموي نفسه الذي لقيه عدد كبير من الأشخاص الذين كانوا من أشدّ منتقدي بوتين، هي مجرّد مصادفة. تُدبَّج عناصر الرواية والتطورات المفاجئة التي طرأت عليها بحيث لا يؤدي التحقيق إلى أي مكان.
إذاً اكتملت العناصر. القاتل هو، بحسب التوصيف المناسب، “مسلّح مجهول الهوية”. ومسرح الجريمة جسر عام يُطلّ على الكرملين. هناك من يقول “لا دافع واضحا لعملية الاغتيال”، فيردّ آخرون: “اغتيل بسبب موقفه المعارض”. تركّز وسائل الإعلام على الخبر فترة قصيرة ثم تنساه عندما يبرز إلى العلن حدثٌ جديد. مع تنديد بوتين بعملية الاغتيال ودعوته إلى إجراء تحقيق سريع في ملابساتها، لا شك في أن الحقيقة ستكون الضحية الثانية في هذه الجريمة.
هكذا تصير المعارضة في روسيا وكذلك أية معارضة للأنظمة السلطوية والديكتاتورية، أو أي شكل آخر من أشكال السلطة، صامتة وعاجزة. لا يهم من أنت، أو مدى شعبيتك، أو ما إذا كنت على صواب أم خطأ. إذا كنت تعارض السلطة، فقد رُسِم مصيرك. وإذا تجرأت على معارضة الاستاتيكو، فأنت تنتحر!
سواءً أكان ذلك مقصوداً أم لم يكن، توجّه روسيا رسالة واضحة لتحدّي المناضلين من أجل الحرية في كل مكان. الاصطفاف في المعارضة سوف يكلّفكم حياتكم!