لماذا لم تنجح العقوبات الغربية على روسيا؟ طبقت عليها أشد العقوبات بعد هجومها على أوكرانيا، وكان يعتقد أنها ستسقط الاقتصاد الروسي بل ستكون العقوبات دروسا قاسية للدول التي تحاول السير عكس المطلوب غربيا أو أميركيا تحديدا. توقع الرئيس بايدن أن تشعر روسيا بالألم وأن نتائج العقوبات ستكون شديدة الخطورة. لا شك أن أوروبا تعاونت مع الولايات المتحدة في وضع أقسى العقوبات الجديدة والكاملة وأيضا لم يعط التعاون النتائج المتوخاة. السيطرة الغربية والأميركية تحديدا على النظام المالي الدولي لم تعد كما كانت.
شعرت روسيا بالعقوبات، لكنها استطاعت انقاذ نفسها وتخفيف الوجع عن شعبها. ها هي بعد سنتين تكمل الحرب على أوكرانيا دون أي تعب ظاهر بل دون معارضة داخلية منظمة. لعبت مجموعة «فاغنر» دورا كبيرا في الحرب وتم تشكيلها للقيام بالعمليات التي لا يرغب الجيش النظامي بها. يحاول الرئيس الأوكراني حشد التأييد الدولي لجيشه ومقاتليه عبر زيارات مدروسة الى الدول الأساسية. لم ينجح بعد في الحصول على ما يريد من أسلحة متطورة. الغرب طبعا حذر من نقل الحرب الى مستويات أعلى أي أن تصبح علنا روسية اطلسية ينتقل معها القتال الى الأرض الروسية ورد قاس على دول حلف شمال الأطلسي. لن يعطي الغرب أحدث الطائرات الحربية المتطورة لأوكرانيا، كذلك الأسلحة الهجومية الطويلة الأمد لأنها ستنقل الحرب حتما الى عالمية مدمرة. في نفس الوقت جدد الرئيس بوتين لنفسه في الرئاسة وكأن الأمور عادية وطبيعية.
في كانون الأول 2021، حذر الرئيس بايدن روسيا من خطأ الهجوم على أوكرانيا مهددا بالعقوبات. قسم منها طبق على دول أخرى ككوبا وكوريا الشمالية وفنزويلا وأعطى نتائج كبيرة، الا أن هذه العقوبات الروسية أشد من السابقة ولم تعط نتائج كبيرة. في آذار 2022، توقع معهد المالية الدولية أن ينحدر الناتج المحلي الروسي 15% قبل آخر السنة، لكن النتيجة لم تكن الا 3% أي متواضعة. روسيا دولة غنية وربما أكثر مما نعتقد بسبب وجود أصول مهمة طبيعية لا تقيم في الأسواق العادية الكلاسيكية.
تبعا لصندوق النقد الدولي، انحدر الاقتصاد الروسي 2,2% في 2022 ومن المتوقع أن ينمو 2,1% في 2024. هذه أرقام ممتازة تتفوق روسيا بها على معدل نمو الدول الصناعية المتوقع أن يكون 1,4% في 2024. انحدر الاقتصاد البريطاني 0,6% في 2023 في دولة بعيدة عن الحرب تنعم باستقرار اقتصادي مع مشاكل مهمة داخلية وأوروبية. طبعا البريكسيت والأخطاء في السياسات الاقتصادية هي التي سببت النتائج المتواضعة، انما مقارنة بروسيا فالنتيجة لا تقبل الشك أي نجاح الاقتصاد الروسي في ظروف شديدة الصعوبة. تنشغل بريطانيا في مستقبلها وتحدياتها، أي انقساماتها الداخلية، قبل انتخابات ستكون الأهم في التاريخ الحديث وربما تعيد حزب العمال الى السلطة. أما روسيا فتحضر نفسها لجولات من الصراعات تعتمد الى حد بعيد على من سيفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية.