د. فؤاد زمكحل
بعد نحو ثلاث سنوات، على بدء الحرب الروسية – الأوكرانية، سنسلّط الضوء على الأرقام الإقتصادية الأخيرة في روسيا، وتداعيات الحرب والعقوبات عليها.
نُفاجأ أنه بعد ثلاث سنوات على العقوبات الصارمة والإنفاق لتمويل الحرب، يتوقع صندوق النقد الدولي نمو الإقتصاد الروسي في النصف الأول من العام 2024، بما يقارب الـ 5%. وهذا الإنماء من الأعلى دولياً في أجواء من الجمود والركود وحتى بعض الإنهيارات في دول أخرى.
فالمفاجئ هو أنه رغم العقوبات القاسية المفروضة على روسيا من قبل الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، إستطاع الإقتصاد الروسي مواجهة هذا الوضع، ومتابعة الإستثمارات في مجالات عدة، وإنماء التبادل التجاري مع مراوح عدة.
بحسب صندوق النقد والبنك الدوليين، فإنّ تصنيف الإقتصاد الروسي قد انتقل من تصنيف دخل منخفض إلى دخل مرتفع، وهذا يُعتبر تحسيناً مفاجئاً جداً في العام 2024، حيث إنّ معظم البلدان المجاورة في أوروبا خصوصاً، تشهد ركوداً إقتصادياً غير مسبوق، في حين أنّ الولايات المتحدة قد وصلت إلى دين يفوق الـ 35 تريليون دولار، وتراجعاً إقتصادياً مخيفاً وشبه إنهيار في بورصتها.
أما روسيا، فقد نجحت في تطوير علاقاتها التجارية مع بلدان «البريكس» والتي تتألف، إضافة إلى روسيا، من البرازيل، الهند، الصين وجنوب أفريقيا. وتُكوّن هذه البلدان نحو 26% من الناتج المحلي من الإقتصاد العالمي.
كذلك ركّز الإقتصاد الروسي على الإستثمارات الداخلية، في كل القطاعات الإنتاجية مثل الصناعية والزراعية وحتى البناء، مع الإتكال على النفط والغاز والـ hydrocarbure وكل مشتقاتها. فتعلّم من هذه التجربة أنه حتى أقسى وأقوى العقوبات ليس بالضرورة أن تحقق نتائج بارزة، بل بالعكس، من الممكن أن تفتح أبواباً أخرى وتحالفات عدّة وبناء محاور أخرى للمواجهة.
في المحصّلة، لقد برهنت روسيا بعد ثلاث سنوات من حرب بالوكالة، ضدّ أوروبا والولايات المتحدة، بأنها إستطاعت الصمود ليس فقط عسكرياً بل إقتصادياً، واستطاعت إنجاز إنماء ما يقارب الـ 5% من العام 2024، بينما أكثرية إقتصادات العالم تتراجع أو مجمّدة أو تشهد ركوداً مخيفاً. فالعبرة الأساسية والتي على العالم أن يتعلّمها، بأنّ في هذا القرن، الحروب والعقوبات لن تُنجز أيّ أهداف ملحوظة غير الدماء والدمار والتخريب. فالحل الوحيد يكون عبر طاولة المفاوضات والأحاديث البنّاءة لتحقيق بعض الأهداف، لأن الحروب لم تحقق إلاّ الدمارالشامل، ونتائجها لا تزال لا غالب ولا مغلوب من دون أيّ تقدم، لا بل تراجع دولي.