IMLebanon

المعادلة الروسية والرهانات الأميركية

 

معركة الغوطة الشرقية هي جزء من اللعبة الجيوسياسية التي تديرها روسيا في سوريا ضمن لعبة استراتيجية تتجاوز سوريا. اللعبة الأولى تدار بكل قوة الآلة العسكرية، وبين وقت وآخر بهدنة قصيرة، ودائما بالحديث عن تسوية سياسية. واللعبة الثانية تدار بمزيج من التنسيق والمواجهة والاتهامات مع أميركا، والاستماع الى مطالب الأوروبيين والعرب، وتعميق التعاون مع ايران. وليست زيارة وزير الخارجية الفرنسي بعد اتصال هاتفي مع الرئيس فلاديمير بوتين، أجراه الرئيس ايمانويل ماكرون والمستشارة انغيلا ميركل لمطالبته بالضغط على دمشق للتقيّد بوقف النار، سوى تسليم بمعادلة جديدة: موسكو هي السلطة التي تقرر، وعواصم أوروبا والشرق الأوسط هي المعارضة التي تطلب.

ذلك ان ما قيل، منذ الانخراط العسكري الروسي المباشر في حرب سوريا، عن افغانستان سورية، وغضب عربي واسلامي على روسيا، ومقاطعة أوروبية لها وصدام تركي معها انتهى الى العكس. الكل يتحدث مع روسيا. الغرب الأميركي والأوروبي يسلّم بعودتها من خلال سوريا الى المسرح الدولي كقوة عالمية. المعارضون يراهنون على دورها، وان انتقدوا حفاظها على النظام. تركيا على تفاهم معها وتشتري السلاح منها، وتختلف مع الحليف الأميركي حول الكرد. وهي تعلن انها أجرت اختبارات عملانية على ٢٠٠ نوع من الأسلحة المتطورة.

وليس من المفاجآت ان تستخدم موسكو حق النقض في مجلس الأمن لاسقاط مشروع قرار قدمته بريطانيا بالتفاهم مع أميركا، لمعاقبة ايران المتهمة بارسال صواريخ باليستية الى الحوثيين في اليمن يقصفون بها السعودية. والمسألة ليست الأدلة أو غياب الأدلة التي استخدمها المندوب الروسي كحجة. المسألة ان ايران صارت جائزة بوتين كما رأى والي نصر عميد مدرسة بول نيتزه للدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونزهوبكنز في مقال نشرته فورين أفيرز.

ذلك ان الوجود العسكري البرّي لايران وحلفائها ووكلائها ساهم في النصر الذي جعل روسيا الحَكَم في مصير سوريا وسمسار القوة في الشرق الأوسط، حسب والي نصر. فضلا عن ان روسيا وايران تعملان معا في افغانستان وآسيا الوسطى والقوقاز لمواجهة النفوذ الأميركي. وان موسكو تدرك الموقع الجيوسياسي المهمّ لايران. وهذا يسكب ماء باردا على رهانات أميركا واسرائيل ودول عربية على دور روسي لاخراج النفوذ الايراني من سوريا.

لكن ايران التي صارت تقرأ في كتابها بصوت عال تدرك ان كتاب بوتين مملوء بالألغاز. وليس من السهل الملاءمة بين أحاديث طهران عن السيطرة على أربع عواصم عربية وبين الدور الكبير لموسكو في المنطقة والعالم.