IMLebanon

المعطى الروسي و«إعلان موسكو» لا يقاربان بالعاطفة وحدها

مشكلة التدخل الروسي في سوريا في أنه يفصل بشكل حاد بين «مراحل». يعتبر ان ثمة مرحلة لإخماد «داعش والنصرة»، ومرحلة لاحقة يطرح فيها مآل الوضع السياسي في سوريا على البحث. مشكلة غير قليلة عند قسم غير قليل من أطياف المعارضة السورية هي في المقابل في استسهال القول بأنه ليسقط النظام اولاً ثم يتكفل التغيير بتحلل «داعش و«النصرة» من تلقائهما.

مشكلة الروس أيضاً هي في توسيع دائرة «داعش والنصرة» لتشمل فصائل ليست معتدلة لكن من الصعب كذلك الامر مساواتها بجبهة «النصرة».

ومشكلة المعارضة أيضاً وأيضاً في الاسترسال التبريري في كثير من الأحيان، مرة باعتبار ان النصرة جماعة هامشية ضئيلة، ومرة باعتبار ان الكثيرين من الثوار انضموا اليها بحكم الامر الواقع، ومرة على النقيض من ذلك، اسقاط ثنائية «ثورة وثورة مضادة» على الواقع السوري بشكل مقحم.

في المقابل، روسيا ليست بشار الاسد وليست حزب الله وليست ايران، رغم الصعوبات المفهومة لتقبل ذلك بعد كثافة الاحداث التي شهدت تدخلاً منهجياً واسعاً لسلاح الجو الروسي. لكن روسيا، ورغم انها تعمل عمليا لأجل الاطالة بعمر النظام، وتوسع في مواجهتها «داعش والنصرة» لتطال تنظيمات مختلفة، بل تطال قسماً غير قليل من الانسجة الاهلية من المجتمع السوري، الا انه ليس غرضها الاساسي في سوريا. لفهم غرضها ينبغي «الدخول في جلد» الروس، واستيعاب انهم يتعاملون مع الساحة السورية بوصفها «حرب الشيشان الثالثة». اي بعد تلك التي نشبت في التسعينات وفشل فيها الجيش الروسي في قمع الشيشانيين، ثم تلك التي قامت بعد ذلك، وعلى خلفية اجتياح المقاتلين التابعين لشامل باساييف وابو خطاب لداغستان، انطلاقا من الشيشان نفسها، ما ادى الى حرب تدميرية ضد هذه الاخيرة، صنعت اساس الشرعية الوطنية لفلاديمير بوتين. بقي ان بوتين احتاج بعد اعادة السيطرة على الشيشان لأمرين: اعادة اعمار منهجية لغروزني المدمرة، والاقرار بطابع محافظ اسلاموي للشيشان.

روسيا تعتبر انها «معتدى عليها» منذ حرب الشيشان الثانية، يوم تجاوز باساييف حدود الشيشان نحو داغستان، ما تعاملت معه موسكو كانذار بخطورة تمدد النزعات الانفصالية من ناحية، واقتدار الحركات الجهادية من ناحية ثانية. وهذه الحركات بدورها تعتبر انها «معتدى عليها» من روسيا، في حرب الشيشان الاولى، لكن قبل ذلك في افغانستان. من دون ادراك ما هو عالق في الذهنية الروسية من ناحية، وفي عقلية الحركات الجهادية  من ناحية ثانية، يصعب فهم كيف تحول الصراع بين نظام وثورة في سوريا، الى صراع بين آلاف الشيشانيين حملة الجنسية الروسية الذين قدموا الى سوريا للقتال والتحقوا بـ«داعش والنصرة»، وبين الطيران الروسي الذي يتوسع في مفهومه «لداعش والنصرة» بشكل يشمل مروحة من التنظيمات، وقسم غير قليل من السوريين، وبما يورط روسيا في موقف عدائي لها عند نسبة كبيرة من الرأي العام في العالمين العربي والاسلامي هي في غنى عنه.

يبقى ان روسيا تتدخل في سوريا بخلفية وطريق احتساب للأمور مختلفين نسقاً ووجهة، عن النظام السوري وايران. فحتى لو كانت تقسم الأمور الى «مراحل» مفصولة عن بعضها البعض، وتؤجل البحث الجدي بمصير النظام الى ما بعد المرامي العسكرية «الحسمية»، فان كل ما تعتبر انها بصدد تحقيقه او حققته يرتبط كذلك الامر باستحواذ حيز في الادارة السياسية للملف.

من هنا اهمية سعيها وراء «اعلان موسكو»، والمضي اليه رغم الرسالة المضادة التي فشلت في قطع الطريق اليه، والمتمثلة بجريمة اغتيال السفير الروسي في انقره. يبقى ان «اعلان موسكو» ينقصه ايضاح ما الذي ينبغي عمله على كل دولة موقعة عليه من اجل احياء مسار التسوية السياسية، وخصوصا بالنسبة الى ايران التي لم تخفِ ضيقها من التنسيق الروسي- التركي في موضوع الاجلاء من حلب، وان كان من غير المناسب التأسيس على هذه الجزئية ليس الا.

روسيا الاتحادية معطى جيوستراتيجي اساسي في المشرق العربي اليوم، ولا يمكن التعامل مع هذا المعطى بطريقة عاطفية فقط، ولا بتقدير ان ما تفعله هو نزوة عابرة على رأس قيادتها، ولا بتفسير خلفية ما تقوم به بتفسيرات «الحرب الدينية»، وان كانت التصادمات الحضارية، ذات البعد الديني، محورية وبامتياز في عالمنا اليوم.