IMLebanon

المبادرة الروسية.. إيجابيات وضمانات ورسائل

 

تؤكد مصادر وزارية معنية، ان المسؤولين الروس يعملون على توفير الضمانات اللازمة لعودة مختلف اطياف النازحين السوريين الى بلادهم. وقالت ان المبادرة الروسية سيتم توضيحها اكثر من خلال الاتصالات والمشاورات التي تعقبها، وهي تحوي ايجابيات، الامر الذي يستوجب البناء عليها بشكل جدي جداً.

 

فالروس اطلقوا المبادرة لاعادة النازحين، بناء على تحرك للرئيس المكلّف سعد الحريري مع موسكو، وبناء على رغبة الروس في المساعدة في حل هذه المأساة الانسانية، للشعب السوري. وكذلك انطلاقاً من ان اغلبية دول العالم تريد معالجة مشكلة النزوح، والتي تشكل مأساة الشعب السوري جزءاً كبيراً منها. اذ هناك اكثر من ٦ ملايين مهجَّر سوري ينتشرون في اصقاع الارض، اي في ٤٥ دولة. وهناك بالتالي اهتمام مشترك لبناني – روسي ومتبادل ايضاً في حل هذه المشكلة.

 

وتفيد المصادر، بأن اللجنة التي ستشكل من لبنان وروسيا ومفوضية الامم المتحدة للنازحين UNHCR والنظام، هي التي ستضع آليات العودة في مختلف المجالات لا سيما اللوجستية منها، وبرمجة العودة وتوزيع العائدين واماكن تجمعهم وغير ذلك. وهي ستكون لجنة فنية تقنية وليس حكومية او ديبلوماسية. ولن يكون للبنان اي تدخل في موضوع العودة داخل الاراضي السورية ودوره يتوقف عند حدوده. ولم تسمع المصادر، ان الاميركيين سيكونون اعضاء في اللجنة، انما لبنان يرحِّب بعضوية اي دولة مثل الولايات المتحدة، او عضوية الاتحاد الاوروبي مثلاً.

 

وتكشف المصادر، ان الوفد الروسي عرض على الحريري ان يتم التنسيق اللبناني – السوري حول عودة النازحين، على مستوى حكومي، ومن دولة الى دولة، وليس فقط على مستوى الخبراء والتقنيين. انما الحريري كان واضحاً في هذا المجال، اذ قال للوفد، انه ليس وارداً فتح باب من التواصل الحكومي او الديبلوماسي مع النظام، اذ ان هذا الموضوع هو موضوع انقسامي وخلافي في البلد، وليس من مصلحة لبنان فتح نقاش، لان النقاش سيزيد في الشرخ والانقسام، الى حد خطر حصول صراع فعلي. وتفهّم الروس هذا الموقف، ولا سيما ان الحريري عبّر امام الوفد انه عمل على التضحية الى ابعد حد من اجل لبنان، وهو ذهب الى سوريا من اجل لبنان، وسأل “ماذا فعل النظام بعد ذلك؟”، اذ ليس هناك من ثقة للتعاطي مع هذا النظام ولن يتم ذلك التعاطي.

 

وفهم انه في المسائل الروتينية ليس لدى الحريري مانع في تسيير الامور بشكلها العادي والطبيعي. اما الامور الاخرى في القرارات الحكومية والعلاقات الخارجية والديبلوماسية على الصعيد الحكومي فهذا غير وارد. وموقف الحريري لن يتغير، وهو ومن يمثل كجزء من اللبنانيين لن يقبل بعودة العلاقات على اعلى مستوى. وعلى الصعيد الداخلي اللبناني، فان التجاوب الروسي مع الحريري في موضوع اعادة النازحين، شكل رسالة في اكثر من اتجاه. فهي في اتجاه كل من دخل على خط المزايدة في السعي لاعادتهم، بحيث لا يمكن ان يتم تخطي دور الدولة والحكومة تحديداً في الموضوع. اذ بعدما سعى “حزب الله” والتيار “الوطني الحر” عبر الحشد الشعبي “الالهي” و”غير الالهي” لاعادتهم، بحسب المصادر، لم يصل هذا الامر الى خواتيم سليمة، بل فقط هدف الى اعطاء انطباع بأن مؤسسات الدولة غير مؤهلة للتعامل مع هذا الموضوع وهذا غير صحيح.

 

وكذلك، هدفت الرسائل الى تثبيت موقف الحريري وهو ان لا حل لمشكلة النازحين الا عبر الدعم الدولي لهذا التوجه، ولا يمكن ان يتم من دونه. وقد توجه الحريري الى الروس والاميركيين لمعالجة الامر كونهما الدولتين العظميين والمؤثرتين فعلياً في الازمة السورية.

 

كما تحمل هذه المعطيات الجديدة بالنسبة الى العودة رسائل الى الخارج، بأن الرئيس الحريري لن يتهاون في اعادة النازحين وان لبنان لا يتحمل هذا العبء، وانه في الوقت نفسه يريد عودة آمنة. من هنا سعى مع الروس للحصول على ضمانات لعودة الجميع من مختلف التوجهات السياسية. والحريري تبلغ من الروس انهم يدرسون كيفية اعطاء هذه الضمانات وانهم ايجابيون في ذلك.

 

وأثبتت المبادرة الروسية، ان كل المزايدات الداخلية حول العودة لا افق لها بأي شكل، ومردها فقط كان لإفشال العودة. فالنازح ليس على ثقة بأن من ساهم من الافرقاء اللبنانيين بنزوحه من بيته وقريته، يمكن ان يكون مصلحاً اجتماعياً وسياسياً، وان من ساهم بتشريده وقتل ابناء اسرته سيتحول فجأة الى رائد في اعادته الى ارضه. كافة الاحصاءات التي لدى الامم المتحدة ولبنان، تشير الى ان ٩٥ في المئة من النازحين يريدون العودة لمجرد انتهاء الحرب. ومن الواضح ان السوريين لمجرد ان تقف الحرب، سيستبقون كل المبادرات في العودة الى ديارهم، ولبنان الآن في انتظار موقف مفوضية الامم المتحدة للاجئين، والمفوض فيليبو غراندي دعي الى مفاوضات آستانة، وستتبلور امور كثيرة في الايام والاسابيع المقبلة حول العمل لآليات العودة.

 

لذلك، اهمية البحث الدولي مع لبنان في العودة، والمبادرة الروسية تحديداً، في انه ضرب كل المؤامرات التي كانت تنفّذ لتفشيل العودة. وان المبادرة فضحت المؤامرات بالنسبة الى التغيير الديمغرافي في سوريا والذي كان النظام يعمل لتحقيقه. ما يستوجب البناء على تلك المبادرة بشكل جدي جداً، وتوسعتها ودعمها لتشمل اطراف فاعلين آخرين، ولا مانع ان تعمل مبادرات اخرى حيث مناطق النفوذ الاميركي في سوريا.