تعززت مع الدخول الروسي العسكري المباشر على خط دعم الرئيس السوري بشار الأسد الانطباعات حول مرحلة انتظار ستطول اكثر في لبنان بما يجعل استمرار الكلام على انجاز الاستحقاقات اللبنانية أمراً لا طائل منه في ظل رهانات قوية ارتفعت وحسابات باتت تنتظر مآل التطورات السورية. فحتى الآن كان متعذراً ارساء وضع لبناني لبضع سنوات بناء على الصورة الميدانية الموقتة السائدة في سوريا. ومن غير المرجح ان يتغير ذلك الآن خصوصاً ان ثمة الكثير مما بات على المحك بحيث غدا من غير المرجح ان يتم الاتفاق على اي بند لا على طاولة الحوار ولا خارجها انطلاقاً من اي تسوية باتت رهناً بما سيتم الاتفاق عليه في شأن النظام السوري في حال كان ذلك وارداً نتيجة التصعيد الروسي ام لا. ورغم ان مصادر ديبلوماسية ترفض كلياً الربط بين الوضع اللبناني وهذه التطورات انطلاقاً من ان لبنان لا يمكن ان ينتظر سنوات اخرى اضافية قد يستهلكها الوضع في سوريا، وانطلاقاً من ان التدخل الروسي قد لا يكون محفزاً في اتجاه تسوية ما بل منطلقاً لمرحلة طويلة اخرى من الحرب، فان الجهود التي بذلتها هذه المصادر منذ بدء مرحلة الفراغ الرئاسي قبل ما يزيد على سنة ونصف سنة لم تنجح في اقناع الافرقاء اللبنانيين بفك ارتباط استحقاقاتهم الدستورية عن جملة امور في المنطقة، تارة تحت عنوان موجبات الاتفاق النووي الإيراني وطوراً تحت عنوان موجبات الحوار السعودي الايراني وما الى ذلك، وحتى تلك المتعلقة بالترقيات الأمنية على رغم ان هذه الأخيرة سابقة للتدخل الروسي العسكري في سوريا. لكن اي تجاوب مع المطالب المرتفعة للعماد ميشال عون وتالياً مع “حزب الله” الداعم له يخشى انه بات يندرج اكثر فاكثر في حسابات الربح والخسارة قياساً على الرهانات التي باتت معقودة على مفاعيل التدخل الروسي وامكان توظيف هذه المفاعيل في الداخل اللبناني ولو حتى على المستوى النفسي ازاء الخصوم. هناك من يقول بان مسألة الترقيات مجرد مسألة داخلية بحيث يساعد بتها على فكفكة ارتباط لبنان عن صراعات الخارج ونحو محاولة تقديم ادارة شؤون اللبنانيين ما دامت اوضاع المنطقة الى تعقيد اكبر. لكن كل تفصيل من التفاصيل على الصعيد الاقليمي تبدو ذريعة مستمرة للتصعيد الداخلي بحيث ان حلحلة بند خلافي ما لا يشكل ضماناً لتسهيل عمل الحكومة، بدليل تزايد المواقف السياسية المرتفعة النبرة على خط تيار المستقبل و” حزب الله” على خلفية مسألة سقوط ايرانيين في تدافع منى في المملكة السعودية. فهذه المسألة التي لم يسقط فيها لبناني واحد لا من الحزب ولا من سواه اظهرت كم ان الاصطفاف الاقليمي في لبنان مستمر في اوجّه علماً انه سبق لملفات اليمن والبحرين كما سوريا ان شكلت ولا تزال عمق هذا الاصطفاف.
وتقول مصادر سياسية ان رئيس الحكومة تمام سلام الذي رسم صورة سوداوية عن الوضع اللبناني في نيويورك امام محدثيه في نيويورك على هامش مشاركته في اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة، وكرر مراراً تلويحه بعدم قبول الوضع الحكومي الحالي، لم ينجح في استدرار الاهتمام على النحو الذي يطمح اليه بحيث تولي الدول الكبرى لبنان الأهمية التي تلزمه للخروج من الاستنقاع الذي يعيش فيه. وفي رأي هذه المصادر، فان الشيء الوحيد الذي كان يمكن ان يشغل الدول الخارجية ويثير قلقها يتمثل بالتحركات الشعبية التي نشأت اخيراً واحدثت ثغرة في الجمود القائم في لبنان، وكان يمكن ان تتطور ككرة ثلج تساهم في تغير الأوضاع. لكن هذه التحركات قد خفت وتضاءلت اهميتها نتيجة اعتبارات متعددة من بينها دخول القوى السياسية على خط اجهاضها. ومع انها لا تزال مستمرة فانها فقدت قدرتها على ان تشكل دينامية دافعة مهددة للزعماء اللبنانيين أو دافعة لهم على تغيير ادائهم وتبديل أولوياتهم. فغداً هؤلاء أكثر اطمئناناً راهناً إلى أن لا ضغط شعبياً يدفعهم الى إظهار أي مرونة في شروطهم أو في تعاطيهم مع قضايا الشأن العام، وقد مضت بضعة اسابيع على محاولة بت موضوع النفايات الذي فجر الأزمة المطلبية من دون ان يدفع ذلك الزعماء السياسيين الى عمل شامل وجماعي وجدي ينقذ البلد مما يتهدده على هذا الصعيد، بل هو لا يزال معرضاً للتجاذبات السياسية. وكما ان البرودة التي تحول اليها الشارع برّدت همة الزعماء السياسيين وازاحت ثقلاً عن كاهلهم، فهي بردت اهتمام الخارج ايضاً وهدأت خاطره الى ان لا ضرورة لأن يحصل اي تحرك خارجي من أجل لبنان راهناً ما دام الشارع لا يشكل اي خطر يذكر. اذ ان الأمر الوحيد الذي كان يمكن ان يدفع الدول الاقليمية التي ترهن لبنان لحساباتها لأن تبدل أولوياتها أو الدول الكبرى لأن تتحدث مع الدول الاقليمية أو تفاوضها هو انتفاضة الناس التي يمكن ان تتحول الى ثورة خصوصاً بعدما اخطأت هذه الدول في تقويم الحركات الشعبية في المنطقة ولم تحسن استيعابها.
في هذاً السياق، يغدو الحوار الضروري والمفترض بين الأفرقاء السياسيين مجرد تمرين يساهم في تنفيس الاحتقانات وإظهار اهتمام السياسيين بشؤون الناس، لكنه لا يتخطى في الوقت نفسه كونه مجرد ثرثرة سياسية لملء الوقت الضائع ليس إلا.