بدأت الاتفاقات المعقودة بين جو بايدن وفلاديمير بوتين، تدخل حيّز التنفيذ في الشرق الأوسط. ومن المفترض أن تدور الخطوات القادمة حول انسحاب القوات الاميركية من العراق وسوريا، وطرد القوات التركية من الشمال الغربي السوري، وعودة إيران الى الأسرة الدولية، وأخيراً الادارة الروسية – السورية للبنان.
الرئيسان الأسد وبوتين صارا أمام تحديات اتفاقات جنيڤ المسماة «يالطا 2» في 16 حزيران 2021 والتي تنصّ على إخراج القوات الاجنبية المتواجدة في سوريا بعد 12 عاماً من المجازر.
لقد توجّه الأسد الى الكرملين، ولم يتسرّب أي شيء من اجتماعه مع نظيره الروسي. ويبدو رغم ذلك أنّ موسكو ستشرف على سوريا ولبنان سويّاً، ابتداء من انتخابات لبنان النيابية المقبلة. ومن الممكن أن تنضم سوريا الى منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهو الحلف العسكري الذي تديره روسيا، وفي حالة كهذه سيزداد دعم موسكو لدمشق بشكل كبير، لأنّ سوريا ستنتقل من صفة صديق الى صفة حليف. ما يعني ان كل اعتداء على أمنها سيكون بمثابة اعتداء على روسيا.
إسرائيل
خلال الأسابيع الأخيرة، ألقى ثوار درعا (في جنوب البلاد) أسلحتهم، وكان هؤلاء قد فعلوا ذلك مسبقاً أمام عميد روسي. في النهاية قُضِيَ الأمر باستسلامهم بعدما سحبت اسرائيل دعمها العسكري لهم.
إنّ هذا الحدث مهم، لأنه يظهر التطوّر الحاصل في نظام تل أبيب منذ خروج بنيامين نتنياهو. فإسرائيل تحاول أن تتحرّر من إيديولوجية زئيف جابوتنسكي الاستعمارية، وأن تصبح دولة عادية. إلاّ أنّ هذا لم يمنعها عن مواصلة حربها السرية ضد إيران على الاراضي اللبنانية والسورية. ولا تقبل إسرائيل أي نقاش يتعلق باحتلالها لهضبة الجولان التي ضمتها بشكل غير قانوني بنظر الامم المتحدة.
ومعلقاً على زيارة بشار الأسد الى موسكو، أعلن مساعد وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف ان بلاده تعتزم تحرير كامل سوريا من جميع القوات الاجنبية المرابطة فيها بشكل غير شرعي: الاسرائيليين، الاتراك، الاميركيين، والعمل على تقليص النفوذ الايراني في سوريا.
تركيا
من المفترض أن تكون الخطوة المقبلة هي انسحاب القوات الاميركية والتركية من شمال البلاد، واستسلام المرتزقة الأكراد، وهرب الجهاديين من إدلب. بالفعل كانت أنقرة قد أشادت باحتلال إدلب كخطوة نحو استعادة الأمجاد العثمانية فانسحاب تركيا لا يعني فقط، فقدان الأراضي، بل يعني ايضاً فشل حلمها «النيوعثماني». ومن أجل هذا أنشأت تركيا وأوكرانيا بشكل رسمي لواء إسلامياً دولياً ضد إعادة ضم شبه جزيرة القرم الى روسيا. وبعد ثلاثة أشهر أسقطت تركيا طائرة سوخوي روسية ما سبب أزمة سياسية خطيرة، إلاّ ان هذه الحلقة كانت قصيرة الأمد.
وبهدف عرقلة أي تقارب بين روسيا وتركيا حاولت وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية أن تغتال أردوغان. إلاّ ان هذه العملية فشلت وتحوّلت الى انقلاب مرتجل انتهى بالفشل ايضاً.
فأنقرة اليوم في مأزق، إذ انها تقف في موقع معادٍٍ لموسكو وواشنطن.
إيران
إيران التي فرضت نفسها في عهد محمود احمدي نجاد كقوة اقتصادية، وتحت قيادة قاسم سليماني كقوة عسكرية، على وشك أن تنضم للأسرة الدولية. وإذا كانت المفاوضات الرسمية حول مشروعها النووي معطّلة، فإنّ الاتصالات السرية في ازدياد. لقد قبلت الولايات المتحدة بالابحاث النووية الايرانية في حال كانت سلمية فقط. لقد حرّمت إيران على نفسها في آخر سنة من الحرب مع العراق، تصنيع القنبلة النووية، لكنها رفعت هذا التحريم عن نفسها بعد اغتيال الجنرال سليماني بأمر من الرئيس دونالد ترامب.
الاتحاد الأوروبي
على الصعيد الديبلوماسي، تكاد جميع سفارات الدول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي تفتح أبوابها من جديد (ولكن ليس السفارة الفرنسية) ويبدو ان قراراً قديماً للأمم المتحدة فرض عدداً من الموجبات المالية على الاتحاد الأوروبي.
السؤال الذي يبقى مفتوحاً هو معرفة ما إذا كان لبنان سيعود من جديد أو لا إلى وصاية روسية – سورية. الإجابة على هذا السؤال ستقرر دخول الصين الى المنطقة.
الصين
في حالة وصاية سوريّة على لبنان المفلس، من المفترض أن تتدخل الصين لإعادة إعمار الجزء الأخير من طريق الحرير القديمة… إذ كانت هذه الطريق تصل عاصمة الصين في ذلك الوقت بالبحر المتوسط، عبر تدمر ودمشق. وتطمح الصين الى إنشاء طريق بري، وسكة حديد، بالإضافة الى بنى تحتية للمواصلات السلكية واللاسلكية. وسيكون هذا انتصار مهم جداً للرئيسين بوتين وتشي جين بينغ.
فرنسا
لا تنوي فرنسا، وهي التي كانت القوة المستعمرة في لبنان وسوريا أن تقبل بإزاحتها من المنطقة، بناء على ذلك خلال الشهر الأخير، شارك الرئيس ماكرون في قمة بغداد، تحت أعين المخابرات البريطانية المراقبة.
هذا وقد لعبت فرنسا والولايات المتحدة، دوراً أساسياً في وضع نجيب ميقاتي على رأس الطائفة السنية. لقد دعم الغربيون الرجل الذي بات بحسب «فوريز» الأغنى في البلاد، كما كان رفيق الحريري.
لقد استقبل الرئيس ماكرون نجيب ميقاتي في 24 أيلول. ولن يكون الشروع في استثمار المواد النفطية والغازية في إسرائيل ولبنان وسوريا ممكناً، قبل استقرار المشهد السياسي. كما يجب ترسيم الحدود البحرية التي لم تأت عليها اتفاقات «سايكس بيكو» إلاّ بشكل مبهم يفتقر الى الدقة.
وأختم بالتساؤل التالي: لماذا استأجرت روسيا خزانات I.P.C في طرابلس؟ فبحسب تفاصيل العقد فإنّ شركة «روسنفت» المملوكة من الحكومة الروسية بنسبة 51٪، استأجرت سعات تخزينية من منشآت النفط، بعد أن يتم بناء الخزانات ولمدة 20 عاماً. ووفق هذه الآلية المعتمدة عالمياً ستدفع الشركة ثمن تخزين كل طن يخزّن في المنشآت، بصرف النظر عن عدد مرات التفريغ والتخزين، وقد تمّ التحفظ على سعر تخزين الطن. هذا العقد فرض تساؤلاً مشروعاً، إذا علمنا بأنّ الوجود الروسي في سوريا متمركز في قاعدة حميميم الجوية وهي قاعدة عسكرية تقع جنوب شرق مدينة اللاذقية وفي طرطوس وفي محافظتي الحسكة والرقة وفي مطار القامشلي. إضافة الى قاعدة السعيدية شمال غرب مدينة منبج، فما هي جدوى استئجار الخزانات في طرابلس؟
الأيام المقبلة توضح -ولا شك- نيّات الروس وأهدافهم.