تحت عنوان “سوريا تشهد استعراضا عسكريا يعدّ الاول من نوعه”، نشرت وكالة الانباء الروسية خبرا مفاده ان قاعدة حميميم العسكرية السورية شهدت يوم 9 أيار استعراضا عسكريا في ذكرى النصر على النازية. وقد شهد الاحتفال عرض آليات مدرعة وناقلات جنود وراجمات صواريخ وقذائف مضادة للطائرات وقواذف صواريخ الدفاع الجوي “اس 400”. كما شهد تحليق طائرات عدّد الخبر أسماءها، الى تحليق المروحيات أيضا. وتحدث الخبر عن مشاركة قوات سورية أيضا في العرض. وهو أمر لافت في ذاته، ليس لأنه يأتي بعد أيام قليلة على تولي روسيا إقامة حفل موسيقي في تدمر المستعادة من تنظيم “الدولة الاسلامية” دعت من أجله 100 من الصحافيين الاجانب وتولت نقلهم الى الحفل، إضافة الى جولة ميدانية مدروسة نظمتها لهم، بل لانه ليس معهودا أن تقيم دولة عرضا عسكريا لقواتها على أرض دولة أخرى ما لم تكن هذه الاخيرة دولة محتلة نظرا الى ما يعنيه ذلك من الناحية العملية من افتقاد هذه الاخيرة الى السيادة الكلية على أراضيها. وهذا أمر ليس جديدا في ظل تراجع سيطرة النظام على غالبية الاراضي السورية، وفق ما باتت تبرزه الوقائع على الارض منذ سنتين أو أكثر، لكنه أمر لافت وله دلالاته أن يأتي من الحليف المنقذ للنظام، ولو ان الاتفاق الذي وقعته روسيا مع النظام يكفل للقوات الروسية حرية التصرف والحركة من دون اي تدخل من النظام، فيما لم تبلغ صلافة الاحتلال السوري درجة أن يقيم عرضا عسكريا مماثلا في لبنان طيلة ثلاثة عقود، كما له دلالاته تزامنا مع سقوط المزيد من العناصر الايرانية في المعارك في سوريا. كما أن لهذا العرض دلالاته المتناقضة مع ما اعلنه الرئيس الروسي سابقا عن سحب القوات الروسية جزئيا لانتهاء مهمتها في سوريا. وبالنسبة الى مراقبين ديبلوماسيين، فإن روسيا تعرض موقعها وقوتها وسيطرتها في سوريا في وجه الولايات المتحدة، وتتناول جملة أمور من بينها استمرار وجود قوات كافية لها في سوريا، على رغم الكلام عن انسحاب جزء من هذه القوات، بما فيها جزء كبير من الطائرات المقاتلة، ووجود روسيا كقوة فاعلة لها تأثيرها وحرية حركتها، وتالياً تذكر بمدى ثقلها الكبير في معادلة أي حل لسوريا، بحيث لن يكون حل إلا وفق ما يناسبها أو ما ترتئيه. فيما يعتبر البعض ايضا ان الرسالة تطاول دول الجوار في المنطقة وفي مقدمها تركيا، بحيث ان الانسحاب الذي أعلن عنه الرئيس الروسي لا يمس في الواقع جوهر وجود روسيا عسكريا، وبقوة في سوريا، بحيث لن تسمح روسيا ببقائها العسكري تغيير المعادلة التي تحاول إرساءها على الارض. وثمة من يرى في العرض رسالة للداخل الروسي عن عظمة روسيا واستعادتها كما استعادة نفوذها الخارجي المؤثر في المنطقة. والواقع أن العرض، كما الحفل الموسيقي، موجه ايضا الى الروس، وهما يحاكيان هذه المشاعر لديهم في وقت تمر روسيا بصعوبات اقتصادية كبيرة.
هذه الصعوبات ستكون في المدى القريب محط متابعة في ظل تساؤلات عن قدرة روسيا على مساعدة النظام وهو يواجه انهيار عملته الوطنية وفي ظل صعوبات اقتصادية تواجهها روسيا، كما في ظل صعوبات تواجهها أيضا إيران، باعتبارهما الداعمين والممولين الأساسيين للنظام خلال الاعوام القليلة الماضية. فهذا الاخير قد يضطر الى اللجوء الى طبع أوراق جديدة من الليرة السورية، وهو ما قد يساهم في المزيد من انهيار قيمتها، وتاليا قيمة مداخيل السوريين، في حين أن روسيا تحتاج ايضا الى أموالها من ثمن الأسلحة التي تستمر في تقديمها للنظام.