Site icon IMLebanon

أهداف اللعبة العسكرية الروسية في سورية

أكدت التقارير الأخيرة أن موسكو أرسلت معدات إلى سورية لبناء قاعدة عسكرية في اللاذقية تحت ذريعة محاربة انتشار تنظيم «الدولة الإسلامية». وبعد فترة وجيزة من وصول هذه المساعدات، ناشد وزير الخارجية الروسي المجتمع الدولي الموافقة على انضمام الحكومة السورية في الكفاح ضد «داعش».

ولكن زيادة المساعدات العسكرية ليست مجرد عملية بسيطة لتمكين نظام بشار الأسد ضد «داعش». بل هي خطوة سياسية تهدف إلى حماية مصالح روسيا الحالية والمستقبلية في سورية بغض النظرعن مصير الأسد نفسه.

في حين أن بعضهم يعتبر أن الدافع لدعم موسكو نظام الأسد هو تأمين المصالح الإستراتيجية التي تدور حول وجود قاعدة بحرية روسية في طرطوس، فإن مصلحة روسيا في سورية هي جيوسياسية وليست جغرافية. فهناك بلدان أخرى في أنحاء البحر الأبيض المتوسط يمكن أن تستخدمها روسيا كمنفذ إلى البحر عبر سورية. تهدف موسكو أن يكون لها موطئ قدم سياسي في الشرق الأوسط.

روسيا أيضاً تستخدم الصراع السوري كمنصّة للضغط على خصومها السياسيين في الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة. هذا العداء تجاه الغرب تبلور منذ شعرت روسيا بالإذلال بعد تصويتها في مجلس الأمن الدولي لدعم تدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا في عام 2011، والذي اعتبرته موسكو خدعة من قبل الغرب للتخلّص من نظام معمر القذافي على رغم رفض روسيا مبدأ تغيير النظام.

في حين لا يزيد أهمية عن المواجهة بين روسيا والغرب في شأن أوكرانيا، جاء الصراع السوري أداة أخرى لثأر روسيا. فعدم وجود إستراتيجية شاملة لإنهاء الصراع السوري من قبل الولايات المتحدة وحلفائها مهّد الطريق لموسكو لمواصلة الاستفادة من هذا الفراغ سياسياً وإستراتيجياً.

على المستوى السياسي، عدم توصل المجتمع الدولي لإيجاد إطار لحل الأزمة سمح لروسيا بمحاولة تقديم نفسها كمنقذ سورية، فأعلنت موسكو نيّتها التوصل إلى تسوية سياسية للصراع. جهود روسيا حتى الآن لم تكن جديّة ولا مثمرة. فالمحادثات التي استضافتها بين النظام وما سمته جماعات «المعارضة» جذبت فقط المعارضة الموالية للحكومة، وبالتالي، فهي حتى الآن كانت تكتيكاً لإضاعة الوقت في غياب سياسة غربية في شأن حل الصراع.

على المستوى الإستراتيجي، استفادت روسيا من تركيز الغرب على استخدام الضربات العسكرية كأسلوب مفضّل لمحاربة انتشار «داعش»، لأن هذا الأخير لا يمكن القضاء عليه من خلال العمل العسكري وحده. وقد أتاح استمرار وجود «داعش» والخوف العالمي من توسعه إلى روسيا اعتبار تدخلها في سورية كوسيلة للوقوف في وجه هذا التهديد.

ولكن إذا كانت روسيا تعتبر «داعش» تهديداً مصيرياً، فلا بد من التساؤل عن سبب عدم استجابة موسكو طلبات القوة الجوية السورية المتكرّرة بإرسال قطع الغيار للطائرات المقاتلة في المطار العسكري بالقرب من تدمر في الفترة التي شهدت تمدّد «داعش» في تلك المنطقة. كما أنه يطرح سؤال لماذا لم تكن روسيا أكثر حسماً في العمل مع الجيش السوري للتصدي للألوية الشيشانية داخل «داعش»، والتي تستخدم سورية كساحة تدريب لتنفيذ نشاطات لاحقة داخل روسيا.

على رغم أن الكتائب الشيشانية هي مدعاة للقلق بالنسبة إلى روسيا، فهي ليست حتى الآن تهديداً كبيراً بما فيه الكفاية لتحفيز زيادة مشاركتها في الأزمة السورية. هذا يدل على أنه بالنسبة إلى روسيا، إيجابيات وجود «داعش» تفوق السلبيات. هناك عنصران إيجابيان لوجود «داعش». الأول هو إضعاف المعارضة السورية، حيث يواصل التنظيم الهجوم في المقام الأول على المعارضة السورية وليس النظام. والثاني هو تقسيم المعارضة السورية، حيث أن الجهات المعنية الإقليمية تحاول مكافحة «داعش» من خلال تمكين مجموعات مختلفة من المتمرّدين السوريين، من الجماعات الإسلامية في الشمال إلى المعارضة المعتدلة في الجنوب، وهذه المجموعات هي بدورها في منافسة مع بعضها بعضاً.

لكن هذه الفائدة قد تنتفي إذا بدأ «داعش» يشكل خطراً حقيقياً على الأراضي الروسية. وفي الوقت نفسه، ترى روسيا جلياً أنه حتى مع زيادة الدعم العسكري، لا يمكن نظام الأسد كسب الحرب. ولذلك، فإن السبب وراء إرسال موسكو المعدات العسكرية في هذا الوقت إلى منطقة الساحل، معقل النظام، يتلخّص بالدافع السياسي والتخطيط للمستقبل.

توقيت إرسال هذه المساعدات مهم. بعد سلسلة من المحاولات الفاشلة لجلب المعارضة والنظام للاتفاق على إجراءات تهدف إلى إرساء الثقة المتبادلة، مثل اتفاقات وقف إطلاق النار المحلية التي لم تتحقّق، يوسّع مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسورية، ستيفان دي ميستورا، محادثاته الثنائية والمتعددة الأطراف مع شخصيات النظام والمعارضة على حد سواء وكذلك مع الجهات الدولية في الصراع السوري. وزادت المحادثات مع الاستعداد لبدء أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبينما لا يوجد اتفاق حول سورية في الأفق حتى الآن، فقد أظهر المبعوث جديّة في محاولة إيجاد تسوية للصراع.

وقد تزامن نشاط دي ميستورا مع إبرام الاتفاق النووي الإيراني. في حين أن إيران ليست مستعدّة للتحرّك في مناقشات مع الغرب على سورية حتى الآن، فإن الاتفاق النووي يمهّد الطريق لمثل هذه المحادثات في المستقبل. ولذلك، فالمساعدات العسكرية الروسية هي أداة وقائية تهدف إلى الضغط على خصوم موسكو السياسيين خلال أي مفاوضات مستقبلية حول النزاع السوري من أجل منحها صوتاً مهماً في التسوية. كما أنها تمهد الطريق لروسيا كي تقدم خريطة طريق للتسوية بعد ضمان مصالحها.

فشكل التسوية يهم روسيا أكثر من الأسد. على رغم أن روسيا لا تزال تعبّر عن دعمها بشار الأسد، فهي أكثر اهتماماً بضمان النفوذ على الحكومة الانتقالية السورية مستقبلاً بغض النظر عن مصير الأسد نفسه.

اليوم يستفيد بشار الأسد من المساعدات الروسية للجيش لأنه عيّن الموالين كنقطة الوصل بين الجيش السوري وموسكو، والذين من خلالهم يتم رسم العقود العسكرية وتوزيع المساعدات. لكن الجيش السوري لن ينهار مع انتهاء دور بشار الأسد، لأن الجيش يضم عدداً من الضباط العلويين الذين لديهم القدرة على الحفاظ على ما تبقى من مؤسسة الدولة هذه.

هؤلاء الضباط لديهم علاقة قوية مع روسيا، وهم موجودون في معاقل النظام في منطقة الساحل ودمشق. لذا موسكو ليست رهينة لشخص بشار الأسد، كما أنها غير ملتزمة حدود الدولة السورية كما هي عليه حالياً. ما يهم موسكو أكثر هو وجود موطئ قدم سياسي في بلاد الشام من خلال ضمان وجود حليف في المنطقة بغض النظر عما يحدث لبشار الأسد أو للخريطة السورية.

إن إرسال المساعدات إلى اللاذقية وليس إلى تدمر يشير إلى أن روسيا سوف تكون راضية عن سيناريو تتقلص فيه الدولة السورية إلى إقليم تحت سيطرة حليف عسكري ويقطنه العلويون والأقليات الأخرى كما الموالون لروسيا من الطائفة السنية. في الواقع، إن النزوح الجماعي للاجئين والمهاجرين السنة من سورية يسهل لروسيا التحكم بمثل هذا الإقليم.

على هذا النحو، ليس المقصود من أي مساعدات للجيش السوري تمكين النظام من استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، بل هي تخدم تعزيز علاقات موسكو مع هذه المؤسسة العسكرية. إن كان لا بد من التضحية ببشار الأسد كجزء من المفاوضات المقبلة حول النزاع السوري، أو إذا أصبح موضوع الانقلاب من الداخل، فإن دعم الجيش السوري سوف يحافظ على نفوذ روسيا في سورية. هذا الحفاظ ليس فقط لأن الجيش قد يلعب دوراً سياسياً في التسوية، ولكن أيضاً لأن أي حكومة انتقالية بعد الأسد ستوحّد وتمكّن الجيش السوري.

وبالتالي، زيادة المساعدات العسكرية الروسية هي تحرك سياسي بصير يمكّن موسكو من الحفاظ على مصالحها بغض النظر عن شكل تسوية الصراع السوري، وربما تكون الخطوة الأولى نحو محاولة روسيا «امتلاك» حلّ للأزمة في غياب المبادرة من قبل المجتمع الدولي.