تدور في الغرف المغلقة اتصالات ومشاورات محورها ما إذا كان الإنسحاب الروسي من سوريا سينعكس مؤشّرات في لبنان بتحريك الملف الرئاسي في اتجاه إيجابي، وإجراء الإنتخابات الرئاسية في الربيع المقبل. وتتلاقى هذه المشاورات مع الخطاب الإيجابي الأخير الذي تكرّر في مواقف رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس سعد الحريري، اللذين تحدّثا عن بوادر لحصول الإنتخابات في شهر نيسان المقبل. وبحسب مصادر سياسية مطّلعة، فإن بري والحريري يمتلكان معطيات مستقاة من دول معنية بالملف اللبناني ومطّلعة على الأجندة الروسية، تفيد بأن العملية السياسية في سوريا ستنطلق قريباً، وبأن صفحة الحرب قد طُويت.
وفي سياق متصل، فإن أوساطاً نيابية في فريق 14 آذار، أبدت قراءة متناقضة مع هذه المعطيات، حيث كشفت عن استمرار المراوحة على محور رئاسة الجمهورية، على الرغم من التطوّرات الدراماتيكية في سوريا، وأكدت أن ما من مؤشّرات عملية في الأفق تنبئ بحصول انتخابات رئاسية في موعد قريب، وذلك استناداً إلى تقارير ديبلوماسية وردت أخيراً إلى دوائر غربية في بيروت، وتشير، وبحسب الاوساط نفسها، إلى تباين في الرؤيا حول خارطة الوضع اللبناني، إنطلاقاً من العناصر الآتية:
1ـ ضبابية وغموض خطوة الإنسحاب الروسي المفاجئة من سوريا، والتي لم تتّضح بعد دوافعها الحقيقية، وذلك على الرغم من المواقف المتتالية من موسكو التي تؤكد أن المهمة الروسية لم تنتهِ، وأن الطائرات الروسية جاهزة للعودة، وفي خلال ساعات معدودة، إلى الأجواء السورية فيما لو دعت الحاجة إلى ذلك. فعملية إعادة التموضع الروسية في سوريا غير قابلة للصرف على الساحة اللبنانية، وليست دافعاً للغرق في التفاؤل باحتمال انتخاب رئيس الجمهورية العتيد في وقت قريب.
2ـ التحوّل الكبير في ظروف مؤتمر جنيف السوري الذي سُجّل غداة خطوة الإنسحاب الروسي، إذ سُجّلت اتجاهات جديدة لدى الوفود المشاركة لجهة ترسيخ المراوحة في مقاربة الحلول السياسية، وبالتالي، استمرار المعادلة السورية على حالها الراهنة، بمعنى أنه لا يمكن التعويل على حصول أي تقدّم في المسار السياسي بسبب عدم حصول أي تبدّل في موقفي وفد النظام السوري كما وفد المعارضة السورية التي تسعى إلى توظيف خطوة الإنسحاب الروسي، وبدأت برفع سقف شروطها، الأمر الذي سيؤدي إلى إطالة أمد المفاوضات، ومن الطبيعي، وبسبب ارتباط لبنان بالملف السوري أن ينعكس هذا الأمر المزيد من التعقيدات على مستوى الإستحقاق الرئاسي.
3ـ إنعدام فرص التوافق بين فريقي 8 و 14 آذار بعد الوصول إلى الحائط المسدود في مبادرتي ترشيح العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، وذلك على الرغم من أن كل المؤشّرات كانت تدلّ على أن الإنتخابات الرئاسية ستحصل فور اتفاق المسيحيين على مرشّحهم، وهو ما حصل بالفعل في معراب، ولكنه لم يصل إلى خواتيمه الإيجابية بسبب استحالة التوافق على مرشّح واحد بين كل المرجعيات السياسية، وهو ما ترسخ بعد الردّ العنيف من قبل وزير المال علي حسن خليل على العماد عون حول موقفه من شرعية مجلس النواب.
وخلصت الأوساط نفسها، إلى التأكيد بأن اللحظة الدولية والإقليمية لم تحن بعد لتحريك ركود الإستحقاق الرئاسي، فيما يرتفع منسوب التصعيد السياسي الداخلي لعدة أسباب، ويهدّد بالمزيد من تأجيل عملية الإنتخابات الرئاسية المنتظرة عشية مرور سنتين على الشغور في قصر بعبدا.