تتسع دائرة الاعتراض على فرض “حزب الله” سياساته في لبنان، داخلياً وخارجياً لا سيما منذ حادثة الطيونة-عين الرمانة الدموية، وازدادت اتساعاً مع تسببه بالأزمة مع دول الخليج العربي التي تتصاعد فصولها، مع الإجراءات المتتالية التي تفرضها هذه الدول على لبنان بسبب ما تعتبره هيمنة “الحزب” على السلطة والقرار في البلد.
هل إن “الحزب” قادر على أن يراجع تلك السياسات التي فضلاً عن أنها تزيد النقمة الشعبية على خطفه القرار اللبناني لحسابات تتصل باستخدام لبنان في سياق امتلاك إيران أوراق التفاوض الإقليمي قبل بدء مفاوضات فيينا حول ملفها النووي؟ لا يبدو حتى الساعة أن هذا التوجه ممكن على رغم أن عامة اللبنانيين باتوا مدركين أن رهن مصيرهم للصراع الإقليمي وخصوصاً في اليمن، وتعطيل مجلس الوزراء الذي كان يفترض أن يبدأ محاولات تخفيف الأضرار على معيشتهم، يعمقان مأزقهم كل يوم.
لم يعد رد أسباب تعميق الحفرة التي هم فيها يقتصر على اتهام الطبقة الفاسدة،، بل باتت أكثرية الشرائح اللبنانية ترى في جر لبنان إلى مسرح الحروب الإقليمية والتدخل في القضاء لفرض القرارات عليه، من الأسباب الرئيسة للتردي المعيشي، باستثناء أكثرية جمهور الطائفة الشيعية المقتنعة بخطاب “الحزب” الذي يرد هذا التردي إلى “الحصار الأميركي… والإجراءات الخليجية”… لإضعاف المقاومة وبحجة جر لبنان نحو التطبيع مع إسرائيل، في وقت يستقبل حليفه بشار الأسد وزير خارجية دولة الإمارات التي كانت بين الدول التي أقامت علاقات مع الدولة العبرية، فيما يجري وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان اتصالاً مع الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان بعد زيارته سوريا لبحث أفق التعاون…
داخلياً رفع قطبان رئيسيان هما زعيم تيار “المستقبل” الرئيس سعد الحريري، ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الصوت ضد “الحزب”، بعدما كان كل منهما يتجنب توجيه الاتهامات إليه كل لسببه، سواء لتجنب تصاعد الحساسية الشيعية السنية، أو لتفادي رد الفعل السلبي منه ومن جمهوره… كما أن حليفه الأساسي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يعتمد “الحزب” على تغطيته له في خياراته الإقليمية كان على نقيض مواقفه من مطلب إقالة قاضي التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت، ومن الأزمة مع دول الخليج، فيما أخذ نواب “التيار الوطني الحر” ينتقدون المدى الذي ذهب إليه “الحزب” في أخذ لبنان إلى الحروب الخارجية ومعاداة دول الخليج، وفي تحميله ما لا يمكنه تحمله على هذا الصعيد، فيما يلوذ رئيس “التيار” جبران باسيل الذي اعتاد أن يكون أول المدافعين عنه، بالصمت المطبق لأن جمهوره بات يتذمر من الانسياق وراء مغامرات “الحزب” الخارجية وآثارها المدمرة على لبنان.
خارجياً، انضمت موسكو إلى قائمة الدول الرافضة لإخضاع لبنان للتصعيد الذي يشهده الإقليم. المسؤولون الروس ساءهم المنحى التفجيري منذ حادثة الطيونة وفتحوا عيونهم على تداعياتها متخوفين من ان يجر “الحزب” البلد إلى اقتتال أهلي. ولم يخفوا انزعاجهم من حديث الأمين العام لـ”الحزب” عن امتلاكه مئة ألف مقاتل، متسائلين إلى أين يأخذ هذا الكلام البلد، وهل بات “حزب الله” يريد توجيه هؤلاء المقاتلين إلى الداخل؟ فهذا رقم يفوق عديد الجيش اللبناني المعول عليه في حفظ الاستقرار.
تتساءل موسكو عن جدوى تجميد عمل الحكومة وإفشالها مجدداً، بعدما أضاع الفراغ الحكومي لأكثر من سنة فرص بدء معالجات الأزمة الاقتصادية.
ردّد الدبلوماسيون الروس في الأسبوعين الماضيين على مسامع من تواصل معهم من السياسيين اللبنانيين، أن لبنان لا يحتاج إلى التصعيد والتعطيل بل إلى الحوار والتهدئة، وأكثر ما يضر به أخذه إلى الأزمات الإقليمية في وقت هو في حالة ضعف اقتصادي ووضعه شديد الحساسية سياسياً. أما التسبب بحرب داخلية فيه فإنه سيؤثر على المنطقة برمتها ويزيد التوتر فيها، خصوصاً في سوريا حيث الوضع يتصف بالهشاشة والتقلب. وهذا يجب تجنبه مهما كان الثمن.
يذهب بعض الديبلوماسيين الروس إلى حد استغراب تأجيج الخلافات بين المسيحيين والتي تمعن في إضعافهم، تعليقاً على تأجيج “التيار الحر” الخلاف مع حزب “القوات اللبنانية”، والحملة عليها بعد أحداث الطيونة. فالمسؤولون الروس الذين يتابعون الوضع اللبناني الداخلي يتفهمون رفض القوى المسيحية اللبنانية دخول “حزب الله” إلى المناطق المسيحية.
ترى موسكو في التصعيد الحاصل مخاطر كبرى، قد تدفعها إلى إجراء مروحة اتصالات تشمل إيران كي تلعب دوراً في التهدئة، فهل تنجح، استناداً إلى طلب سابق من قبل القيادة الروسية للقيادة الإيرانية أن تحيد لبنان عن تدخلها، أم أنه يصعب إقناع طهران بفصل الساحة اللبنانية عن مجريات الصراع الواسع في الإقليم؟