IMLebanon

في الاستدراك الروسي

سقطة الروس في إشاعة قصة إعداد مشروع دستور جديد لسوريا، كان لا بد لها من استدراك: وزير الخارجية سيرغي لافروف قال إن المشروع جاء بعد «اقتراحات» من حكومة بشار الأسد و«المعارضة» و«دول المنطقة».. فيما راحت الناطقة باسم الوزارة (ذاتها!) ماريا زاخاروفا الى القول بأن السوريين «هم الذين يقررون كل شيء (…) ولا أحد سيملي عليهم شيئاً»!

الاستدراك لا يعني عدم وجود المشروع الذي وضعه «خبراء روس»، بقدر ما يعني انتباه موسكو، الى أن أسلوبها يكاد أن ينسف سعيها الحثيث (والمستجد) للعب دور الوسيط شبه الوحيد بين فرقاء النكبة السورية، بعد أن أمعنت في لعب دور الطرف الواقف في الصف المضاد والمعادي والمقاتل لعموم السوريين.

وكان لذلك السعي عنوانان كبيران حتى الآن، هما: الهدنة ومؤتمر الآستانة. وفي خضمّهما سرت تفاصيل كثيرة لافتة وخصوصاً في شأن تثبيت بدايات الافتراق (أو الخلاف!) مع الايرانيين.. والاستمرار في بهدلة الجماعة الأسدية وتقريظها علناً وصولاً مثلاً الى قول رئيس الوفد الروسي الى مؤتمر الآستانة ألكسندر لافرينتيف للوفد الممثل لتلك الجماعة: «انكم تعيشون في عالم آخر»!

والانتباه الى فظاظة الأسلوب يدلّ على أن موسكو تراكم مقتضيات «المرحلة الأميركية» الجديدة وتتصرف وفق منطق يؤكد خروجها «المشرّف» من مقتضيات «المرحلة الأوبامية»! وذلك يعني «أن لكل مقام مقال»، وأن نزولها الصاعق أصلاً على النكبة السورية، ما كان ممكناً ووارداً ومعقولاً لولا «ضوء أخضر» أميركي مسبق وشديد الوضوح! وان عودتها اليوم الى المنطقة الرمادية الوسطى ليست سوى ملاقاة لسياسة أميركية جديدة، لا يمكن أحد أن ينكر «وضوحها» إزاء معطى «محاربة الارهاب»، لكن بمقاربة مختلفة عن تلك التي اعتمدتها ادارة الرئيس السابق وحصرت بموجبها ذلك «الارهاب» بجهة واحدة في مقابل تغييب ايران وأذرعها الممتدة خارج حدودها، وتحديداً في سوريا (أكثر من العراق).

في الاستدراك الروسي إزاء قصة مشروع الدستور شبهة واقعية أكيدة تناقض كل الضخ السابق عن تفلّت احيائي لا سقف له من القرم الى سوريا! وذلك لا يضير المنطق في شيء بل يؤاخيه تماماً بتاتاً: لا يمكن موسكو أن «تصطدم» مجدداً بالأميركيين والغربيين، إلا اذا أراد هؤلاء ذلك «الاصطدام»! ومعنى هذا، سورياً، التكيّف مع السياسات (الأميركية) الجديدة وليس مواجهتها. وربما يكون الموقف الخجول من إعلان ترامب عن اعطائه الأمر بدراسة مسألة «المناطق الآمنة»، دليلاً على ذلك وليس العكس. بحيث أن موسكو بدت عاتبة لأنها لم «تبلّغ مسبقاً» أو لم يتم «التشاور» معها.

.. بين نشر صواريخ الـ«أس – 400» بالأمس ورسالة العتب اليوم فرق كبير هو ذاته الذي يدفع الى ذلك الاستدراك في قصة مشروع الدستور!