تكشف مصادر ديبلوماسية بارزة انّ روسيا الاتحادية تقوم بتحرّكات مكثّفة مع الولايات المتحدة الأميركية، للعمل على تسويات معينة في ملفات المنطقة، لا سيما حول سوريا، وهي أزمة ضاغطة على كل محيط سوريا وعلى المجتمع الدولي.
وتؤكد هذه المصادر القريبة من موسكو أن المسؤولين الروس باتوا أكثر انفتاحا على البحث في حلول للوضع السوري، بعدما كانوا في السابق يرفضون أي حديث عن بديل للنظام ولرئيسه بشار الاسد، وهذا المنحى الجديد ينطلق من عناصر لعل أبرزها، أنّ الوضع السوري لم يعد يحتمل المزيد من القتل والعنف والدمار، وأنّ هناك خوفاً من سقوط الدولة، ومن تحوُّل سوريا إلى الفلتان الذي لا يعود بالإمكان ضبطه، بحيث يصبح الوضع السوري شبيهاً بوضع ليبيا والعراق وغيرهما من دول المنطقة. فضلاً عن انّ القلق البالغ من التطرّف الإسلامي والذي لم يعد ينحصر في سوريا والعراق إنّما بات يؤثّر في الاستقرار الأمني في المنطقة وصولاً إلى روسيا. ثمّ انّ الوضع العسكري في سوريا بات يُضعف النظام ويقوّي «داعش» والتطرّف. من هنا خطورته أيضاً على الغرب وعلى المسيحيين في المنطقة حيث يتوافد آلاف المقاتلين من جمهوريات روسيا لا سيما من الشيشان وداغستان وغيرهما، يهربون إلى تركيا ومنها إلى سوريا، لذلك تكثّف روسيا جهودها، مع الولايات المتحدة، اللاعب الأساسي في العالم، للقيام بشيء ما لتغيير الأمور في سوريا. كما أنّها تجري اتصالات مع الأتراك لهذه الغاية، وكان آخرها مباحثات القمة الروسية التركية حول الأزمة السورية. أخيراً، وسط الاتجاهات الجديدة في السياسة الروسية من حيث عدم الانغلاق على الطروح الأخرى. كما تجري روسيا اتصالات مع إيران في ما خصّ الوضع السوري وضرورة السعي إلى حل ما. إيران وعدت الروس بدراسة الأمر وبذل الجهود في هذا الاطار.
كما ان روسيا تجري مباحثات مع القيادة السعودية حول الوضع السوري، وهناك وفد سعودي برئاسة ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان.
والتقى الرئيس فلاديمير بوتين وجرى بحث العلاقات الثنائية، وملفات الشرق الأوسط بما فيها الملف السوري.
روسيا تتحدث مع الولايات المتحدة عن مرحلة انتقالية في سوريا، لكن لا تزال هناك مسائل غامضة في الطرح، خصوصاً حول رموز هذه المرحلة، ومَن هو فريق الحكومة حينذاك والسبل الآيلة إلى منع تقوية المتطرفين، في ظل زيادة سيطرة «داعش» و»النصرة» على سوريا. وهذا الطرح يعني بصورة غير مباشرة، وإن كانت موسكو لن تطرح ذلك بحرفيته، البحث بمصير الأسد.
وتفيد المصادر أنّه من دون روسيا لن يتمكن الأميركيون من القيام بأي حل في سوريا. والبوادر الروسية الجديدة ستساهم في الحل كون موسكو كانت لطالما دعمت الأسد لا سيما ديبلوماسياً عبر مجلس الأمن. سياسة روسية الجديدة يجدر التوقف عندها، لكن مداها لا يزال غير واضح المعالم، خصوصاً لناحية إيجاد حل بعد الهزيمة التي تواجهها قوات النظام، وتوسّع رقعة سيطرة «داعش».
وهذه النقطة بالذات ربما كانت وراء التحول الروسي، بعد انعكاسات التطرف على الأمن الاقليمي سلباً. روسيا تدرس الوقائع على الأرض، وتتعامل مع المتغيرات، لا سيما إذا ما وجدت ان هناك أخطاراً حقيقية تتهدّد أي ملف أو نتيجة تطورات ملفات المنطقة ككل.
ومن شأن أي حلحلة بالنسبة إلى الملف السوري أن تنعكس إيجاباً على مهمة الموفد الدولي للحل ستيفان دي ميستورا. إذ انه لم يستطع أن ينطلق باختراق ما. ولعل أهم سبب في ذلك هو عدم وجود أرضية دولية لا سيما أميركية روسية للحل في سوريا. إذ ان أي تفاهم دولي، ويحظى برضا اقليمي حول الوضع السوري سيسهل مهمته، ويعود سبب العرقلة الحالية، والتي استمرت منذ تسلمه مهمته، ليس فقط إلى مواقف الأطراف السوريين ومواقعهم على الأرض، إنما إلى غياب الآلية الدولية للحل.
قد يكون الموقف الروسي الجديد، تحضيراً لمرحلة الحوار الأميركي الإيراني، ما بعد توقيع الاتفاق على النووي. روسيا في قلب الاتصالات الجارية لمرحلة ما بعد الاتفاق، والتي قد تنتج تسويات معينة، خصوصاً على الملف السوري الذي سيعود إلى واجهة الاهتمام الدولي حتماً بعد الاتفاق مع إيران.
المصادر الغربية تقول إنّه منذ البداية روسيا تعلن انها ليست متمسكة بشخصية معينة، لكن إذا ما أرادت أن تساهم في حل معين في سوريا، يجب أن تسمح بتمرير قرارات مهمة في مجلس الأمن ولها آلية تنفيذية. كما أنّ السؤال المطروح هو أنّ هناك أفرقاء آخرين مؤثرين في الوضع السوري غير الروس أي إيران، فهل تسمح بحلول أم أنّها مصمّمة على أن تستمر في قتالها إلى جانب الأسد؟