حرب سوريا ليست حربا واحدة، وان كانت البداية صراعا بين طرفين: نظام ومعارضة. فلا النظام يقاتل وحده، وسط مفاخرة كل من الروس والايرانيين بحمايته من السقوط. ولا هو والقوى التي تقاتل معه في تطابق كامل على أجندة واحدة. لا المعارضون يقاتلون وحدهم ويمتنعون أحيانا عن التقاتل بين بعضهم البعض. ولا هم والقوى التي تدعمهم أو تقاتل معهم على طريق أجندة واحدة. فضلا عن ان ما بدأ بصراع على الانتقال الديمقراطي للسلطة دخلت فيه وتداخلت معه عوامل متعددة. إذ ازداد تعقيد الوضع بأكثر من ظهور داعش والنصرة وتنظيمات ارهابية متشددة أخرى تعتبر ان الديمقراطية والانتخابات كفر وتمارس سياسة القتل تحت عنوان الشريعة والخلافة. وفضلا أيضا عن ان الأولوية لدى النظام ومن معه هي لضرب المعارضة قبل داعش والنصرة. والأولوية لدى داعش والنصرة لقتال المعارضة قبل النظام.
والاجماع على القول ان الحل في سوريا سياسي لا عسكري، ليس ضمانا للبحث عن تسوية سياسية واحدة. ولا للتخلّي عن إغراء الحل العسكري. فما تركّز عليه موسكو حاليا هو التأكيد ان استانة ليست البديل من جنيف، والعمل مع قوى عدة على ترتيب وفد المعارضة الى جنيف، بحيث يكون واسعا وشاملا: من الفصائل المسلحة الى من تسميهم المعارضين المغتربين مرورا ب منصّات القاهرة وموسكو واستانة. والانطباع السائد هو ان المواقع في وفد المعارضة تضمن المواقع في التسوية والسلطة، وتضمن للقوى الاقليمية والدولية أصواتا في التفاوض ثم في السلطة.
ولا أحد يجهل صعوبة التفاوض بين وفد للمعارضة بأصوات متعددة من دون مرجعية قادرة على حسم المواقف وبين وفد للنظام يتحرّك بتعليمات مرجعية واحدة حاسمة. لكن الواقع ان التفاوض لم يبدأ بعد بالمعنى الجدّي، لا في استانة، ولا في جنيف التي شهدت ثلاث جولات. فالنظام لا يعطي حين يكون في موقف قوي في الميدان، ولا حين يكون في موقف ضعيف. والمعارضة الممثلة بالهيئة التفاوضية العليا تطالب وهي في موقف ضعيف بما لم تستطع الحصول عليه عندما كانت في موقف قوي.
والاتكال على اللاعب الروسي في ادارة اللعبة. فهو لعب دوره في الحرب بقوة ومرونة. وعليه حاليا أن يلعب في السياسة دور الأكروبات: ابتداع صيغة عجيبة تجمع أوراق النظام والمعارضين وتركيا والكرد وايران والسعودية، في انتظار معاودة اللعبة بين روسيا وأميركا عندما تقرر الادارة الجديدة ترتيب أوراقها وطريقة استخدامها.
وليس ذلك سهلا. فالاستثمارات الموظفة في حرب سوريا كبيرة.
وأي تسوية سياسية حاليا تبدو، تبعا لمواقف الأطراف، أقلّ من مردود الاستثمارات.