قمة هلسنكي فتحت نافذة فرصة مهمة في جدار مسدود، وروسيا هي الطرف المؤهل أكثر من سواه والأقدر على المساهمة في عودة اللاجئين والنازحين السوريين الى بلادهم. ومن الطبيعي ان يكون لبنان الغارق تحت أعباء النزوح هو الأسرع في التقاط الفرصة. لا بل ان يعيد المسؤولون التذكير بما طرحه كل منهم في لقاءات سابقة مع مسؤولين روس، قبل الاستعداد لاستقبال الوفد الروسي في بيروت اليوم. ومن حسن الحظ ان الموقف اللبناني موحّد من عودة النازحين، وان فشلت التحديات الاقتصادية والمالية والسياسية في توحيد المواقف من تأليف الحكومة التي هي أداة مواجهة التحديات وحتى عودة النازحين.
وليس خارج المألوف ان نتصرف كأن موسكو تبنّت موقف أطراف لبنانية دعت الى عودة النازحين من دون انتظار التسوية السياسية في سوريا، بعدما انتهت المعارك في مناطق كثيرة وصارت العودة الآمنة ممكنة. وهو طبعا يختلف عن موقف الأمم المتحدة وحتى موقف المجموعة الدولية لدعم لبنان. ربط العودة بالتسوية السياسية واعادة الاعمار، على ان تكون طوعية وآمنة وكريمة. لكن الواقع ان موسكو تستعجل فتح الملف بعد قمة هلسنكي، بصرف النظر عن الزمن الذي تتطلبه مراحل العودة. تستعجل قبل ان تكتمل لديها الخطة المفصّلة التي يطلبها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو من أجل التعاون مع روسيا في الموضوع.
وليس ذلك من دون حسابات باردة، مهما يكن الوضع الانساني ملتهبا. فما تريده موسكو من واشنطن للتسليم باستمرار عمليات العسكريين الأميركيين في سوريا هو التعاون مع روسيا والقيادة الشرعية للدولة في العودة حسب الناطق باسم وزارة الدفاع الجنرال ايغور كوناشينكوف. وما تركّز عليه من بين أهداف العملية هو عودة العرب والغرب الى التعامل مع النظام والانخراط في اعادة الاعمار التي تحتاج الى مبالغ فلكية فوق قدرة روسيا وايران والصين.
أكثر من ذلك، فان الرئيس فلاديمير بوتين يعطي اشارة معبّرة الى نوع التسوية السياسية حين يقول بعد هلسنكي ان عملية استانا ومخرجات مؤتمر سوتشي تؤسس لعملية سياسية حقيقية في سوريا. فالقوة الروسية أحدثت تبدّلا كبيرا في قواعد اللعبة. والتسوية الحقيقية عند بوتين لم تعد التسوية المتعثرة في محادثات جنيف على أساس بيان جنيف – ١ والانتقال السياسي الديمقراطي للسلطة. فهي بقاء النظام مع عملية تجميل للدستور سبقتها مسودة روسية، قبل انتخابات رئاسية ونيابية. وعودة النازحين جزء من هذه التسوية، لا عملية بلا انتظار تلك التسوية.