IMLebanon

وصفة روسية لإنهاء الحرب!

 

 

لم تتأخّر موسكو في التموضع السياسي ضدّ الحرب الاسرائيلية على غزة ولبنان، انطلاقاً من فهمها لـ»بطانتها» الأميركية ولأبعادها الحقيقية التي لا تلتقي مع مصالح موسكو الاستراتيجية في المنطقة.

من المعروف انّ بنيامين نتنياهو كان «مدللاً» في موسكو لوقت طويل مضى، بل انّ البعض يذهب إلى درجة القول إنّه كان «شخصية محبوبة» لنحو عشرين عاماً خلت لدى القيادة الروسية عموماً ولدى الرئيس فلاديمير بوتين خصوصاً.

 

ولكن ما الذي تغيّر؟ ولماذا تبدّلت العواطف السياسية والشخصية للروس حياله؟

 

تروي شخصية لبنانية وثيقة الصلة بموسكو، انّ التحوّل في الموقف من نتنياهو بدأ غداة «طوفان الأقصى» حين فوجئ الروس بأنّ هناك قوة إسرائيلية تقاتل في أوكرانيا، بعدما أظهرت صور الأقمار الاصطناعية انّ تل أبيب لجأت بعد 7 اكتوبر إلى سحب نحو 1200 عنصر في قوات النخبة لديها من أوكرانيا إلى الكيان لضرورات المواجهة مع «حماس».

 

آنذاك، حصل الاتصال المتوتر والشهير بين بوتين الغاضب ونتنياهو الذي ضُبط بـ«الجرم المشهود»، لتنقلب علاقتهما منذ ذلك الحين من مميزة إلى سيئة، وهذا ما عكسه تصريح بوتين في إحدى المناسبات بأنّ «حصار غزة يشبه حصار ستالينغراد»، وهي المدينة التي تمثل ما تمثل في الوجدان الروسي.

 

وبالترافق مع شعور موسكو بأنّ نتنياهو خذلها على رغم من كل «معزّتها» السابقة له، كانت العلاقة بين روسيا وإيران تتطور وتتعمق على إيقاع تلاقيهما حول ملفات «البريكس» وآسيا الوسطى والشرق الأوسط، وصولاً إلى تفاهمهما في شأن مسودة اتفاق على شراكة استراتيجية، لم يسبق لروسيا أن أبرمت مثلها الّا مع ثلاث دول هي الصين وكوريا الشمالية وبيلاروسيا.

 

 

وفي دلالة إلى المستوى المتقدّم الذي وصل اليه التعاون الروسي ـ الإيراني، يُروى انّ موسكو كانت مستنفرة عشية الضربة الإسرائيلية الأخيرة على الجمهورية الإسلامية وخلالها، كما لو انّها موجّهة الى روسيا نفسها.

 

وضمن هذا المسار للسياسة الروسية، تشير الشخصية اللبنانية التي تربطها صلات قوية بموسكو، إلى انّ الروس يعتبرون انّ الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان هي أميركية بالدرجة الأولى وترمي إلى «هندسة» شرق أوسط جديد يكون خاضعاً لنفوذ واشنطن، وخالياً من «الدسم» الروسي والإيراني والصيني، ولذا تقف موسكو ضدّ هذه الحرب حُكماً، في اعتبار انّ من شأنها ان تُلحق ضرراً بمصالحها الاستراتيجية في الإقليم، وبالتالي هي تتعامل معها على هذا الأساس.

 

وتوضح تلك الشخصية، انّ القراءة الروسية تفيد أنّ نتنياهو راح يتصرّف منذ اغتيال السيد حسن نصرالله على قاعدة انّه انتصر ويريد استثمار ذلك في السياسة. وعندما زار وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي موسكو اخيراً، وطُرحت معه مسألة وقف إطلاق النار في لبنان، بدا لمضيفيه انّ لديه اقتناعاً بأنّ إسرائيل منتصرة إلى الدرجة التي تسمح لها بأن تفرض شروطها لتحقيق وقف إطلاق النار، فقيل له إنّ ما تطرحونه لا يؤدي إلى إنهاء الحرب بل إلى إطالتها.

 

وفي رأي الروس، وفق انطباعات الشخصية اللبنانية، انّ لحظة استشهاد السيد نصرالله شكّلت الحدّ الأقصى في مسار الإنجازات الإسرائيلية، ومن بعد ذلك بدأ العدّ العكسي وراحت تلك الإنجازات تتآكل.

 

ووفق مقاربة موسكو، كما تعكسها الشخصية إياها، يتطلّب إنهاء الحرب إما قبول نتنياهو بخفض سقفه السياسي عبر التفاوض، وإما توجيه «حزب الله» او إيران ضربة كبيرة إلى إسرائيل للجم اندفاعته ودفعه إلى الموافقة على تسوية واقعية.

 

وتبعاً لتصور القيادة الروسية، فإنّ البديل من هذين الخيارين هو الانزلاق إلى حرب استنزاف، لن يكون الجانب الاسرائيلي قادراً إلى ما لا نهاية على تحمّل أعبائها، لكنها ستكون في الوقت نفسه مكلفة للطرف اللبناني.