Site icon IMLebanon

قواعد الإشتباك الروسي – التركي… ومستقبل المنطقة العازلة

لم تأخذ أنقرة على محمل الجد تأكيدات موسكو بأنّ التعرّض للمقاتلات التركية وخرق مجالها الجوي الأسبوع الماضي وقعَ عن طريق الخطأ. لكنّ مصالح البلدين المتشابكة، ولا سيما في المجال الإقتصادي ورؤيتهما البراغماتية، تحولان دون تدهور الوضع الى ما لا يحمد عقباه. ولكن في حال انتهكت روسيا المجال الجوي التركي مجدداً واشتبك الطرفان، هل يهبّ حلف «شمال الأطلسي» فعلاً الى نجدة أنقرة، وهل تتغيّر قواعد الإشتباك العسكري التركي؟ وهل بات الحديث عن المنطقة العازلة سراباً؟

يفضّل فكرت يوكان، المستشار الخاص السابق لرئيس الحكومة التركية أحمد داوود أوغلو، أن ينأى بنفسه عن سلوك روسيا في سوريا، ولا سيما لجهة العملية العسكرية التي بدأتها موسكو نهاية أيلول الماضي، ويعتبرها شأناً روسياً و«استمراراً والتزاماً بالخط» الذي اتخذه الرئيس فلاديمير بوتين منذ بداية الأزمة السورية بدعم نظام بشار الأسد.

ولكن إذا تسبّب «تدخّل روسيا بالضرر إلى الشعب التركي عبر الحدود مع سوريا، واستمر خرق المجال الجوي التركي، عندها لا يمكن لأنقرة التسامح في هذا المجال».

ويقول يوكان في حديث مع «الجمهورية» التي التقته على هامش مشاركته في مؤتمر «السلام الأزرق» في جنيف: «ليلتزموا حدودهم ولا يدخلوا مجالنا الجوي»، مُشككاً بالرواية الروسية بأنّ التعرّض للمقاتلات التركية وخرق مجالها الجوي الأسبوع الماضي وقع عن طريق الخطأ.

ففي نظر المستشار السابق لداوود أوغلو «أنّ روسيا لديها كل الوسائل المتطورة لتحديد الأهداف، وان كان ما فعله عن طريق الخطأ… فعليهم الحذر واستخدام وسائلهم بطريقة أكثر فعالية»، مُستشهداً بحادثة سقوط صواريخ روسية على إيران كانت أطلقت من بحر قزوين وعدم معرفة من يقول الحقيقة في هذا المضمار.

في الوقت عينه، يرفض يوكان اعتبار بعض الفصائل المعارضة في سوريا حلفاء لتركيا، واستهداف روسيا لهم على هذا الأساس. ويقول: «لا يمكن اعتبار المتمردين حلفاء تركيا، كل ما في الامر أنّ تركيا تساعدهم بطريقة أو بأخرى».

ويؤكّد أنّ «تركيا تتشارَك وروسيا في ضرب أهداف داعش وتقوم منذ ثلاثة أشهر بعملية عسكرية ضد حزب العمّال الكردستاني المُصنّف منظمة إرهابية في الوقت عينه، ولقد خسرنا خلالها العديد من الضحايا في صفوف الشرطة، ما أغضبَ الرأي العام التركي بشدة، لكنّ الروس يعملون مع الحكومة السورية وجيشها النظامي»، متسائلاً «أيّ نتائج يمكن توقّعها من تعاون مماثل؟».

نجدة الأطلسي!

ويشدد يوكان على أنّ تركيا «قادرة على حماية نفسها ولطالما اعتمدت على قدراتها، وهناك أيضاً قانون دولي، وقد أثار الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ مسألة الاستعداد إلى إرسال قوات إلى تركيا للدفاع عنها ضد تهديدات على حدودها الجنوبية.

ويذكّر بمبدأ أنّ «أيّ اعتداء على أيّ دولة في حلف الأطلسي هو اعتداء على جميع أعضائه. لكنّ حلف الاطلسي لا يمكن أن يتدخّل بشكل أوتوماتيكي فهناك آليات للمشاورات، الحلف أثار المسألة ووضعها قيد التشاور».

على الضفة المقابلة، يرى مدير قسم الاخبار الدولية في صحيفة «راديكال» التركية الكاتب فهيم تاتشتكين أنّ روسيا غيّرت اللعبة في سوريا والمنطقة، وشكّلت تحالفاً مع العراق وسوريا وإيران وحزب الله في لبنان.

ويقول تاتشتكين لـ«الجمهورية»: «إنّ روسيا دمّرت أحلام الرئيس رجب طيب أردوغان في ما خَصّ سوريا والشرق الأوسط. أردوغان كان يفكّر بالتعاون الإقليمي مع مجموعة شنغهاي الخماسية كبديل عن عضوية الإتحاد الأوروبي.

عرض على الرئيس الروسي أن يكون عضواً في شنغهاي وعَوّل على بوتين في الشرق الأوسط. لكنّ أردوغان تأخّر لأنّ سوريا حليفة لروسيا منذ الحرب الباردة، ولديها قاعدة عسكرية في سوريا ولن تضحّي بمصالحها من أجل تركيا»، مذكّراً بمبدأ موسكو في سياستها الخارجية «لا يمكن تغيير حكومة من خلال ثورة وتدخلات خارجية او عسكرية».

وفي نظر تاتشتكين أنّ الروس لا يهاجمون فقط «داعش» و«النصرة» بل كل الميليشيات المدعومة من تركيا، وهم بذلك يدمّرون مشروع الكتلة الغربية الذي تمّ استثماره من قبل قطر وتركيا والخليج والولايات المتحدة، ويعطون اليد الطولى للنظام السوري ويحجزون مقعداً له على طاولة المفاوضات».

الحل السياسي

ويتوقع المحلل السياسي التركي أن تقضي روسيا خلال ثلاثة أشهر الى أربعة على معظم الميليشيات المتطرفة، وهذا ما سيرفع فرَص الحل السياسي.

ويقول: «إنّ روسيا تحاول تغيير الصورة وتقسيمها بين ثلاث جبهات: النظام، والجماعات المسلحة المقبولة التي سيتم التفاوض معها، وغير المقبولة كداعش والنصرة».

ويستبعد أن يكون للجيش السوري الحرّ دور كبير كونه لا يشكّل قوة رئيسية قادرة على إحداث تغيير في الميدان، مع استمرار الدعم الروسي لبعض الجماعات المسلحة، وبينهم قوات Pyd الكردية، والمعارضة المقبولة من سوريا مثل هيئة التنسيق، وحتى الائتلاف سيكون على طاولة التفاوض، مذكّراً بدعوات روسيا المتكررة إلى أعضائه.

ويقول: «روسيا تستخفّ بأعضاء الائتلاف، الكلّ يعلم إنّهم ممثلون لجماعات مسلحة ومعارضة خُلقت على يد قوى خارجية معادية لسوريا، لكنّها لن تستثنيهم. وبالطبع أحرار الشام ليس تنظيماً مقبولاً من روسيا، ولكن ضمن جيش الفتح بعض الفصائل المقبولة، هذه لعبة روسيا والرئيس الأميركي باراك أوباما يقترب من هذه الفكرة».

لكنّ الاستخبارات الأميركية المركزية CIA غير سعيدة بموقفه، وهي تقوم بخلق جبهات عسكرية وتستقدم مقاتلين لتدريبهم في غرف عمليات عسكرية في عمّان وأنطاكيا، على حد تعبير المحلل السياسي التركي.

ويستبعد تاتشتكين ان تضرب روسيا المصالح التركية، لكنّه يعتبر أنّ قواعد الاشتباك بعد 2012 التي حددتها تركيا عقب إسقاط سوريا طائرة من دون طيّار على حدودنا، والتي أعطت لاحقاً حماية للجماعات المسلحة على الحدود التركية – السورية، لم تعد على حالها. الآن روسيا ألغت المنطقة العازلة واستخدمت طائراتها والرادارات على الأراضي السورية لمنع تحليق الطائرات العسكرية على الحدود التركية.

ويقول: «الجيش التركي لن يتعرّض للطائرات الروسية، أيّ طيار يمكن إدراكه… هذا سهل، الاتراك لا يريدون تحدي روسيا الآن، وقد ناقش اردوغان هذا الامر مع بوتين»، معتبراً أنّ مخطط تركيا لإقامة منطقة عازلة «لم يعد سارياً وحلم أردوغان أصبح كابوساً».

ويتوقع تاتشتكين هروب المزيد من الجماعات الإرهابية من القصف الروسي ودخولها الى تركيا. ويذكّر بأنّ 15 مجموعة مسلحة حتى الآن دخلت الى تركيا عبر الحدود غير الشرعية.

وفي حادث اصطدام حافلة مع سيارة في المناطق الحدودية، «هرع الناس لرؤية مَن المتضَرّر، فتبيّن أنّ الموجودين داخل الحافلة هم من المقاتلين. اليوم السكان في هاتاي غاضبون من الميليشيات السورية، نحن أصبحنا منطقة آمنة للميليشيات وهذا خطر على تركيا»، يختم تاتشتكين مُحذّراً.

وفي المحصّلة، إنّ هذين الموقفين المتناقضين بشأن سياسة تركيا الخارجية ليسا سوى انعكاس لحالة التجاذب التي تعيشها الحلبة السياسية بين حزب «العدالة والتنمية» الحاكم والمعارضة الشرسة ضده التي تترقّب الانتخابات التشريعية في مطلع تشرين الثاني لمحاولة تسديد نقطة أخرى في مرمى السلطان أردوغان الذي تبدّد حلمه بتحويل النظام السياسي إلى رئاسي.