لم يعد ينفع مع هذه الطبقة السياسية الحاكمة الحديث عن وساطات داخلية أو خارجية، فلعبة تقاسم الحصص في أوجها واللعب على الوتر الطائفي والمذهبي “شغّال”.
ظنّ الجميع أن الحكومة ستولد الأسبوع الماضي نتيجة الضغط الكبير الذي مارسه الفرنسيون، لكن الحقيقة أن كل تلك الضغوط لم توصل إلى أي مكان لأن من يعمل على التأليف مُصرّ على إستعمال كل الأوراق من أجل الكسب السلطوي.
وإذا كانت نهاية شهر أيلول تُشكّل مرحلة مفصلية بعد الإعلان عن رفع الدعم الكلّي عن المحروقات، إلا أن هذا الأمر لم يدفع السياسيين إلى التنازل، بل علت النبرة الطائفية على المنابر من قادة يُفترض بهم أن يشعروا بوجع الناس.
ولا تزال الدول الكبرى عند موقفها الداعي إلى تشكيل الحكومة فوراً، وفي هذا السياق، يتابع الروس باهتمام بالغ الوضع الحكومي، فموقفهم ما زال ثابتاً في دعم لبنان وأمنه وإستقراره، وما زال قلقهم كبيراً على الوضع الأمني ويزداد نتيجة التطورات الأخيرة في لبنان.
وتكشف المعلومات الدبلوماسية أن تقارير أمنية عن الحالة في لبنان وصلت إلى وزارة الخارجية الروسية، تشير إلى تدهور مخيف في الأوضاع اللبنانية وغير مسبوق وينذر بالأسوأ، وهذا الأمر يُثير المخاوف الروسية خصوصاً وأن لبنان بات على فوهة بركان وأي خضة صغيرة ممكن أن تُفجّر الوضع، وبالتالي يجب التحرّك سريعاً لوقف التدهور وإلا فالآتي أعظم.
ومن جهة ثانية، لا تزال القيادة الروسية تستغرب لماذا لم تُشكّل الحكومة بعد، فموسكو تعلم أن هناك توازنات إقليمية وأموراً تُعرقل المسار الحكومي، لكن هذا ليس سبباً كافياً لعدم التأليف، فالروس بذلوا جهوداً في هذا الإطار، وتحدّثوا مع طهران و”حزب الله” وقاموا بجولة إتصالات مع قوى الداخل، وبالتالي فإنهم يعتبرون أنه لا يوجد أي مبررّ لعدم التأليف. وعلى رغم أن روسيا دولة عظمى ولديها إتصالات دولية، إلا أن كبار المسؤولين الروس الذين يعملون بالملف اللبناني لم يفهموا بعد العقبات التي تمنع تشكيل حكومة في لبنان منذ سنة تقريباً.
ويعبّر المسؤولون الروس عن إستيائهم بشكل كبير من السياسيين الذين يُشكّلون الحكومة، ويسألون: صحيح أن هناك ضغوطاً خارجية وهذا أمر معروف ويحصل في معظم البلدان، لكن ألا يوجد لدى السياسيين في لبنان حدّ أدنى من المسؤولية بعد كل هذه الإنهيارات التي تحصل، وتعالي صرخات الناس لكي يصلوا إلى تسوية في ما بينهم لتشكيل حكومة تبدأ بالمعالجات المطلوبة لتخفيف معاناة الناس؟
ويدعو الروس كل السياسيين إلى الابتعاد عن المصالح الشخصية والطموحات المستقبلية التي تعرقل عملية التأليف وتدفع الشعب اللبناني إلى مزيد من المآسي والصعوبات والازمات.
يُبدي الروس تشاؤمهم من الوضع اللبناني ويعتبرون أن كرة الإنهيار ستتدحرج بسرعة وتكبر مع الوقت، ولا يوجد أي أفق للحلّ، في حين أنهم يُشدّدون على أن الطبقة الحاكمة تتحمّل الجزء الأكبر من المسؤولية وهي لا ترحم البلاد، وبالتالي فإن كل الحديث عن وساطة روسية جديدة غير صحيح، بل إن الروس يُشدّدون على أهمية التأليف ويتواصلون مع بعض الأفرقاء ويلقون اللوم عليهم.