يواجه «الستاتيكو» الذي تسعى روسيا إلى تثبيته في سورية في مرحلة ما بعد «داعش»، وإضعاف المعارضة السورية المعتدلة لنظام بشار الأسد، الكثير من العقبات والمطبات.
فما يسميه النظام وإيران وقادة ميليشياتها والقيادة الروسية، انتصارات في الحرب على الإرهاب، بإخراج «داعش» من مناطق واسعة في سورية (والعراق) ليس إلا مرحلة من مراحل الأزمة في سورية، طالما أن هذا «المحور» يعتبر أن لا وجود لمعارضة سياسية في البلد. وإذا اعترف بعض هذا «المحور» بوجودها، وجَبَ تذويبها في وفد موحد مع مؤيدي النظام، كما تسعى إليه موسكو، لتجويف مطالبها بالتغيير، أو عبر وصفها بـ «الحثالة» و «العملاء والخونة»، كما فعل الأسد.
ما يؤول إليه منحى الإنكار المتعدد الأشكال لدور للمعارضة، هو استبعاد البحث بالانتقال السياسي الذي ينص عليه القرار الدولي الرقم 2254 لمصلحة اجتماعات آستانة التي تعنى بتثبيت مناطق خفض التوتر من جهة، ولإسباغ صفة الاستسلام على محادثات جنيف التي بشر بها ستيفان دي ميستورا مستنداً إلى قناعته بأن على المعارضة أن تقتنع بأنها لم تربح الحرب، من جهة ثانية.
ومع وجود قناعة لدى كثر من السوريين بتوجه لدفن القرار الدولي، لأن الدول التي أيدته اكتشفت أنه «سابقة خطيرة» عندما يوكل إلى الأمم المتحدة مهمة قيام نظام ديموقراطي في سورية، ما يقلق هذه الدول إذا انسحب توجه كهذا على بعضها، فإن هذه حجة إضافية لترجيح قيام «ستاتيكو» تسعى روسيا إلى تكريسه تحت مسميات مختلفة منها مناطق خفض التوتر، بديلاً من الحل السياسي.
إصرار «المحور» على احتكار «الانتصار» على «داعش»، بإنكار مشاركة دول وقوى أخرى (مثل إنكار دور المعارضة)، وتصويره على أنه انتصار للمحور على المعارضة والدول التي دعمتها، يقود حكماً إلى تثبيت الأسد في السلطة لسنوات، يواجه أسئلة كبرى وسط الضجيج الإعلامي. أسئلة تضاف إلى سؤال كبير حول ما إذا كانت الدول التي كانت لها حصص في «داعش» قد حجزت لعناصره دوراً مستقبلياً عبر استردادها ما يمكن تسميته «ودائعها الاستخبارية» فيه، خلال المعارك الأخيرة، عبر الانسحابات المنظمة لمقاتليه من مناطق عدة، من تلعفر إلى البادية السورية، إلى الجرود اللبنانية والسورية التي شهدت عمليات استسلام هؤلاء، فضلاً عن المبادلات…
إذا كانت إدارة دونالد ترامب، كما سلفه، سلمت لروسيا بالنفوذ في سورية، وبات على الأخيرة إدارة هذا النفوذ مع الدول الراعية لآستانة، فإن خريطة حدود تأثير كل من الدول المعنية رُسمت برضى الدول الكبرى، جنوباً وشمالاً وشرقاً، باستثناء موقع إيران، التي اقتطع تدخلها حتى الآن المناطق الغربية، على أن تحتفظ بوجودها في محيط دمشق. كيف ستدير موسكو الوجود الإيراني هذا في مرحلة الستاتيكو، في ظل اتفاقها مع واشنطن على حفظ مصالح إسرائيل، وفي ظل المطالبة الأميركية لها بإبعاد إيران عن سورية؟ وكيف ستضبط إيقاع دور طهران في وقت بعثت إسرائيل برسالة واضحة على لسان وزيرة العدل فيها بأن «للأسد مصلحة بإبقاء إيران في الخارج، إذا أراد البقاء»، في وقت تعزز الأخيرة جاهزيتها وترسانتها في سورية ولبنان ما يطلق بين الفينة والأخرى العنان لسيناريوات الحرب، كلما قصفت إسرائيل قافلة أسلحة لـ «حزب الله»؟ وإذا كانت حجة حصول القصف الإسرائيلي الأخير من الأجواء اللبنانية التي يقول خبثاء إنها مفتعلة لتجنب أي رد، دليلاً على انضباط الجانب الإيراني، فإن السؤال حول حصة طهران يبقى قائماً في شأن حضورها الاقتصادي والعسكري والأمني. فالامتيازات التي حصلت عليها من النظام لإقامة مستودعات للنفط في الساحل، ولتأسيس شركة اتصالات خلوية ثالثة، وللتنقيب عن الفوسفات في البادية التدمرية، وحق استثمار 5 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية في الساحل، وهي تغطية لإقامة قاعدة على البحر المتوسط نجح الجيش الروسي في «عرقلتها». أما الاتفاقات الأخرى فاعتمد الروس على التسويف السوري الرسمي لتأخيرها، حتى إشعار آخر. إنه صراع الحلفاء.
مع ترويج «المحور» لـ «الانتصار»، يجري الترويج لمرحلة إعادة الإعمار، في وقت يسود الاعتقاد الضمني عند بعض القوى الدولية التي ترى أن سورية ذاهبة إلى ستاتيكو، بأن لا إمكانية لإعادة الإعمار في ظل بقاء الأسد. فالمانحون، دولاً ومنظمات ومستثمرين سوريين يعول عليهم، يرون أن النظام سيوجه الإعمار للانتقام من الشرائح الاجتماعية التي وقفت ضده ولن يكون وفق خطة لإعادة النازحين، بل من أجل إثراء من وقفوا معه وتعزيز الفساد. وهو قال أن لا مكان للدول التي دعمت خصومه في العملية. فكيف تتكرس شرعيته في هذه الحال؟