IMLebanon

مكابرة روسية!

يصر الروس على المكابرة، ويدعون أنهم لا يقصفون في سورية غير تنظيم «داعش» الإرهابي، وانهم اجهزوا خلال اسبوعين على نيف واربعمائة وخمسين مقر قيادة عسكري ومستودع ذخيرة تابع له. 

ومع أن العالم تناقل صور مدنيين سقطوا صرعى القصف الروسي، الذي تركز على قرى وبلدات ومدن توقف القتال في بعضها منذ اكثر من عام، ولم يترك فيها مشفى أو مخبزا أو سوقا شعبية إلا ودكها ونثر حطامها إلى مسافات بعيدة، فإن القادة السياسيين والعسكريين الروس يدعون يوميا انهم لم يقتلوا سوريا واحدا، ولم يجرحوا عصفورا، إلا إذا كان من «داعش» ويحمل سلاحها. في هذه الأثناء، لم يبق مراقب عسكري محايد حيال عمليات القصف التي يشنونها دون تفويض أو قرار من أية هيئة أو منظمة دولية، ولم تستهدف الى اليوم «داعش» وإنما انصب معظمها على الجيش الحر وحاضنته الشعبية المدنية. على الرغم من هذه الحقائق التي تفقأ العين، لا يتورع أي مسؤول روسي عن تكرار مزاعم تتجاهل ابسط الوقائع الميدانية، كتقدم مئات « الداعشيين» من مدينة اعزاز إلى ضواحي حلب، واقتحام العديد من قراها باسلحتهم المتوسطة والثقيلة، التي نقلوها في وضح النهار إلى ضواحي المدينة دون أن يطير فوقهم او ينعب عليهم غراب روسي واحد، ناهيك عن طائرات السوخوي ، التي يتباهى شبيحة النظام بأن مجرد دوران محركها كفيل بالقاء الرعب في قلوب الأنس والجن. لم يقصف الروس أيضا مراكز التنظيم الارهابي ومواقعه المعروفة للقاصي والداني، ومقرات قادته ومنازلهم في الرقة، عاصمة دولتهم، وقصفوا بالمقابل منازل ضباط «الجيش الحر»، وقتلوا كثيرين منهم ومن أفراد اسرهم، في حين تركوا «داعش» لطيران الاسد، حليفها الذي سلمته تلالا كانت قد احتلتها في ريف حلب، والذي لا يوجد بين العسكريين من يخشى غاراته، لكونه لا يتقن من فنون الحرب غير القاء البراميل المتفجرة على المدنيين الآمنين، الذين جاء سلاح الجو الروسي إلى بلادنا كي يذيقهم الويل بدوره، من خلال غارات مستمرة يشنها عليهم وتقتل المئات منهم «بدقة فائقة». 

رغم اعلان لافروف ان الجيش الحر معتدل، وان روسيا تريد الحوار معه، يهاجم الطيران الروسي هذا الجيش في كل شبر من سورية، ولا يترك جماعة «معتدلة» إلا ويضربها بزخم المصمم على إبادتها، بينما لم يمس شعرة من رأس داعشي واحد في تدمر والرقة ودير الزور ومناطق الحدود التركية وجنوب دمشق، وحلب وضواحيها، حيث ينفذ منذ قرابة شهر غارات متواصلة ليلا نهارا على الأهالي و»معتدلي» المعارضة والجيش الحر، متجاهلا خشية قائده في الساحل من ضياع جهوده، بسبب ما اسماه افتقار الجيش الاسدي، المتكفل بالحرب البرية، إلى الروح المعنوية والرغبة في القتال، ووجود اخلاط من المرتزقة في ساحات القتال، يصعب التوفيق بينهم وضبطهم. 

يكابر الروس، لذلك يحاولون إضفاء طابع إنساني على مجازرهم ضد المواطنين. ويقدر العارفون ان استمرار غاراتهم بالوتيرة الحالية لن يبقي على طفل او امرأة في المناطق المستهدفة، وأن قصدهم إرباك المقاتلين باعداد كبيرة من القتلى والجرحى، بحيث لا يترك دفنهم والاهتمام بهم أي وقت للقتال، ويقلص اعداد المرابطين ويجعل من الصعب عليهم الصمود في وجه ما قد يشنه مرتزقة النظام وحزب الله عليهم من هجمات. 

يرجع موقف روسيا العسكري إلى موقفها من الإنسان، فقد حفل تاريخ روسيا باحتقار الحياة الإنسانية والقانون، وبرفض حقوق الانسان والمواطن، التي اقرتها الامم المتحدة وتعتبرها ملزمة في علاقات الدول مع مواطنيها. واليوم، وبوتين يتشبه بالقياصرة الذين احتلوا البلدان المجاورة لروسيا، واخضعوها بالقوة والحقوها بها، بعد أن قتلوا عشرات الملايين من بناتها وابنائها، والغوا هويتها وثقافتها وتاريخها، يقوم الجيش الروسي بغزو سورية وقتل شعبها وتدمير ما بقي من قراها ومدنها، لانقاذ مجرم يذبحها نظامه منذ نصف قرن، ولكي يفرض عليها مصالح تتصل بصراعات روسية / أميركية، لا تعنيها في شيء ولا تريد أن تكون طرفا فيها. 

غزت روسيا بلادنا من دون تفويض دولي، بعد أن عارضت طيلة اربعة اعوام ونصف اي تدخل خارجي يوقف المذابح ضد شعبها، بحجة احترام سيادتها كدولة مستقلة. ترى، ألا يستحق غزوها، وهو فعل استعماري بامتياز وينتهك القوانين الدولية، قرارا يدينه، تتولى الامم المتحدة اصداره: انقاذا للنظام الدولي، ولمن بقى حيا من سوريين؟.