لا تزال موسكو تنظر بعين الحذر إلى الوضع الداخلي اللبناني على رغم تأليف الحكومة الجديدة، إذ إن العبرة تبقى بما ستقوم به بعد نيلها الثقة. يُعتبر الملف اللبناني من الملفات الأساسية التي تتابعها روسيا في المنطقة، لكنها تتعامل معه وفق حسابات دقيقة تجريها وذلك خوفاً من الغرق في الوحول اللبنانية، وعدم رغبتها في أن تكون مع فريق ضدّ الآخر، والأهم أنها لا تريد إثارة غضب الولايات المتحدة الأميركية بالنسبة لهذا الملف على رغم الإنتقادات التي توجهها لواشنطن والتحذير الدائم من سياستها في المنطقة.
وعلى ما يبدو فان الروس قرّروا التعامل مع الأمر الواقع الذي يعيشه لبنان بعد اندلاع ثورة 17 تشرين، وذلك لمعرفتهم بطبيعة التركيبة اللبنانية وأنّ أي هزّة داخلية ستؤدّي إلى كوارث نظراً لتداخل العوامل الداخلية مع الخارجية ومحاولة بعض الدول إيجاد موطئ قدم في لبنان.
ويواصل المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين وذلك للإطلاع على كل المواقف ولتكوين رؤية صحيحة للواقع، وفي هذا الإطار إلتقى بوغدانوف سفير لبنان في روسيا شوقي بونصّار، وأشار بيان صادر عن الخارجية الروسيّة أنه تم تبادل الآراء حول الاوضاع في لبنان والشرق الأوسط، وأكد الجانب الروسي موقفه المبدئي الداعم لسيادة لبنان الشقيق ووحدة أراضيه وسلامتها.
وعلمت “نداء الوطن” من مصادر متابعة أن بوغدانوف أبلغ السفير بو نصار إرتياح موسكو لتشكيل الحكومة وإنهاء حالة الفراغ المؤذي للبلاد، وأبلغه أيضاً عدم صحة المعلومات التي تداولتها بعض الصحف عن وجود هبة أو مساعدة مالية روسية إلى لبنان وفي التفاصيل، فإن روسيا على استعداد للتعاون مع الحكومة الجديدة لما فيه مصلحة لبنان واستقراره وأمنه، وتبدي حرصها على هذه الأمور وهي كانت قلقة من استمرار الفراغ لفترة طويلة ما قد يؤدي حسب رأيها إلى أزمات ليست فقط إقتصادية بل أمنية وهذا خطر جداً في ظل الأوضاع المتوترة في سوريا والعراق والشرق الأوسط ككل.
في الموازاة، تنتظر روسيا حصول الحكومة على الثقة الأسبوع المقبل، وبعدها سيتم التواصل مع الوزراء اللبنانيين الجدد عبر رسائل تهنئة أولاً وبعدها عبر بحث الملفات المشتركة التي قد تُطرح في المستقبل.
ويشدّد بوغدانوف على أن روسيا حريصة على التعاون ومنح فرصة للحكومة، ويدعو الجميع الى إعطائها فرصة من أجل تمكينها من الإنجاز لأن الخيارات ضيقة والأولوية للإنقاذ.
وعلى رغم أنّ الشركات الروسية تدخل مجال الطاقة في لبنان حديثاً، لا يستعجل الروس في طرح موضوع الحدود البحرية الجنوبية لأنه أمر سابق لأوانه بانتظار “تقليعة” الحكومة والقيام بزيارات متبادلة بين الوزراء المعنيين في البلدين.
وبالنسبة إلى تحركات الثورة اللبنانية، فإن الموقف الروسي لا يزال ثابتاً وهو تأييد المطالب الشعبية المحقة، لكن لديهم خشية دائمة من استغلال هذه التحركات من جهات خارجية وعلى رأسها أميركا مثلما حصل في العراق وذلك للضغط على إيران.
وفي السياق، فإن الروس لا يؤيدون مثل هكذا تحركات في الشارع لأنهم يعتبرون أنها جلبت إلى أوكرانيا أموراً مؤذية للبلد وللعلاقات مع روسيا، ويحملون أيضاً مسؤولية خراب فنزويلا لمثل هكذا تحركات شعبية ويتهمون “المؤامرة” الأميركية بالوقوف وراءها.
وأمام كل ما يُسرّب عن السياسة الروسية تجاه لبنان والمنطقة، فإن أحداً من القوى اللبنانية لا يريد العداء مع موسكو، لكن السؤال الكبير الذي يطرح بعد النفي المتكرر لمسألة الهبة أو الدعم المالي الروسي للبنان كيف ستساعد موسكو لبنان إذاً؟
ومعلوم أن لبنان بأمس الحاجة إلى دعم مادي يقدّر بعشرين مليار دولار من أجل انتشاله من أزمته، وبذلك يكون محور العهد و8 آذار وقع في خيبة جديدة، إذ إن روسيا غير قادرة على الدفع. وفي المقابل فان موسكو لا تمون على دول غنية لتقول لها أنقذي لبنان مالياً مثلما تستطيع الولايات المتحدة الأميركية فعله، في وقت ترفض موسكو منح هبات للجيش اللبناني وتريده أن يشتري السلاح منها، بينما تواصل واشنطن تسليح الجيش، وبالتالي فهل الدعم الروسي هو معنوي ومجرد كلمات وليس مادياً ودولارات؟