في وقت يتركّز فيه الاهتمام بالحدث الأممي، المتمثّل بالجمعية العامة للامم المتحدة، وكلمة لبنان التي يُلقيها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد غد الأربعاء، يستمر فيه التداول – والتكهّن – بمبادرات ووساطات داخلية وخارجية لتجاوز العرقلة في التشكيلة الحكومية. في الموازاة، يأتي تطوّران بمنحيين مختلفين. التطوّر المتمثّل بالتفاهم الروسي ـ التركي على إطار لمعالجة الأوضاع في إدلب وإنشاء منطقة منزوعة السلاح، والتطوّر المتمثّل بالمرحلة النهائية من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
ليس هناك، من صِلات مباشرة لهذين التطوّرين بالموضوعات التي على أساسها امتنعت عملية التشكيل حتى الآن، لكنهما يؤثّران على مجرى الأمور من الآن فصاعداً. فالتفاهم التركي ـ الروسي حول الشمال السوري، يأتي بمشهد مختلف كلّياً عن الحاصل في الجنوب السوري، ولا يوحي بتمكين النظام، بل يُعيد فتح الباب جدّياً على مرحلة انتقالية لا يمكن تصوّرها والنظام بالشكل القائم فيه حالياً مستمر فيه، فكيف إذا زين لنفسه إعادة التمكين.
المشهد “التمكيني” للنظام في الجنوب السوري، مع انه للتدقيق مشهد زيادة دور الشرطة العسكرية الروسية اللاجم للفصائل المذهبية المناصرة للنظام، وليس فقط المفكك للفصائل ذات الصبغة المذهبية هي ايضاً، المضادّة له، هو مشهد لا يُطابق هذه النغمة الانتصارية، التي أريدَ الاستعجال بتطبيقها في الداخل اللبناني، دعوات لإعادة التطبيع الرسمي مع النظام، دون انتظار المقرّرات العربية المشتركة، ودعوات للتفلّت من مقولة النأي بالنفس عن المحاور.
يصعب استشراف مسار الأمور الميدانية والاستراتيجية على حد سواء، المتّصلة بالشمال السوري، وإدلب وريف حلب، لكن الواضح ان تفويت الفرصة على كوكبة النظام والفصائل المحاربة الى جانبه، لا يصبّ في خانة تصعيد هذه الانتفاخة التي شهدناها في الاشهر الاخيرة، ومن الممكن ان يدفع بالأمور الى حيث إعادة التفاعل مع المعطيات الواقعية البعيدة كل البعد عن التوصيفات الملحمية لها، من اي جهة صدرت هذه التوصيفات.
ليس هناك صلة مباشرة بالموضوعات الخلافية التي دارت حولها العرقلة الحكومية في الأشهر الماضية، لكن مجرد الدفع في اتجاه المحافظة على الصيغة التسووية الحكومية التي قامت قبل عامين، أصبح متاحاً أكثر من ذي قبل، هذا مجدداً إذا أقلع التفاهم التركي ـ الروسي، وهو ما يعمل النظام السوري والايرانيون بخلافه.
كذلك لا أثر مباشراً للتطورات المتعلّقة بالمحكمة الدولية على عملية التشكيل بحد ذاته، لكنّ ثمة أثراً أعمق من المباشر. أثر لا يعود فيه الحديث عن ربط النزاع مفصولاً عن وجوب الكلام في العمق، وبصراحة استثنائية، حول جوهر الإشكال القائم، وعدم قابلية تسطيحه بالمكابرة والتشبيح. نحن محكومون بالحوار دائماً في لبنان، لكن الحوار، مع بلوغ المحكمة الدولية خواتيمها، صار، بالضرورة، يختلف عن أشكال الحوار في المراحل السابقة.
لا امكانية لاستباق كل هذه الورشة المحفوفة بأنواع عديدة من الصعوبات هنا، إنما فليُكتفى بالاشارة الى أنه، بالحد الأدنى، يدفع التطور المتعلّق بالمحكمة، مجدداً، الى استشراف “معركة” بيان وزاري، ما ان نفرغ من “معركة” (أو بالأحرى لامعركة) التشكيل الحكومي.
السؤال الذي يعود فيطرح نفسه، أمام انعكاسات هذين التطوّرين، التفاهم الروسي ـ التركي حول الشمال السوري، والمرحلة النهائية من المحكمة الدولية، هو عن دور العواصم الخارجية في “تيسير” الانفراج لبنانياً، لأنه بات يصعب أيضاً تصوّر هذا الانفراج محققاً بالمبادرات الداخلية فقط.