IMLebanon

موسكو «تقصف» أنقرة في سوريا: حادث عابر أم ماذا؟

 

 

تزامناً مع تصاعد العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا، التي عبرت اسبوعها الرابع، اطلّت مجموعة من الحروب الصغيرة في اكثر من منطقة في العالم، وخصوصاً حيث المواجهة قائمة بين أطراف النزاع على ساحتها. فبعد ايام على «صواريخ اربيل» أغارت الطائرات الروسية مستهدفة موقعاً لأنصار تركيا في منطقة «خفض التصعيد» قرب حدودها، ما رفع من منسوب التوتر بعد الغارات الاسرائيلية. فما الذي قصدته موسكو من تحدّيها لأنقرة؟

في الوقت الذي لم يكن بعد قد استوعبت المنطقة ترددات الغارات الاسرائيلية التي استهدفت مواقع إيرانية في جوار العاصمة السورية دمشق وردّات الفعل عليها من الجانب الإيراني الذي ترجمته مجموعة الصواريخ البالستية التي استهدفت مبنى القنصلية الاميركية في اربيل عبر الحدود الايرانية – العراقية، حتى جاءت الغارات الروسية التي استهدفت اول أمس مواقع لميليشيات تدعمها أنقرة في منطقة جبل الزاوية قرب الحدود التركية – السورية، لتزيد من مخاطر إمكان تفجّر الأزمة السورية من جديد. وقد وقع ذلك وسط مخاوف وتوقعات أعربت عنها اكثر من جهة دولية واممية، بعد تصاعد حدّة المواجهة الدولية في اوكرانيا، وتشديد العقوبات على موسكو إلى درجة بدأت معها القيادة الروسية بالردّ عليها بالمثل، وخصوصاً مع المسؤولين الاميركيين الكبار ودول أخرى.

 

وقبل ان تتوافر المعلومات الكافية لتقدير حجم الضربة الروسية ونتائجها وحجم القوى المستهدفة، قالت تقارير ديبلوماسية وردت من انقرة وموسكو ومن موقع الحدث في شمال سوريا، انّ الضربة محدودة واستهدفت مواقع لميليشيات في منطقة «جبل الزاوية» في شمال سوريا عُرفت بالانضمام الى عملية «الفتح المبين»، التي شكّلتها القيادة التركية عقب اقامتها المنطقة العازلة على حدودها الجنوبية، وهي قوى تجمع فصائل من بقايا مجموعات مختلفة منها «هيئة تحرير الشام» و»الجبهة الوطنية للتحرير». وكما قيل، فإنّ العملية جاءت رداً على مجموعة الخروقات التي قامت بها في اتجاه القوات السورية النظامية المنتشرة في المنطقة الواقعة في ريف إدلب الجنوبي والشرقي، نتيجة لمجموعة من المكامن التي نفّذتها وادّت الى مقتل عدد من عناصرها.

 

وإلى ان تنجلي نتائج العملية لتقدير حجمها، إن كانت محدودة وموضعية، ام انّها إشارة جديدة الى مسلسل من العمليات العسكرية الروسية المتوقعة، والتي يمكن ان تقود الى اشتعال الساحة السورية مجدداً، بقيت المراجع الديبلوماسية على موقفها المراقب للتطورات في انتظار الحسم بين الخيارين. فهي في قراءتها الأولية اعتبرت انّ هناك احتمالاً لإقامة «ستاتيكو» جديد لا يمكن فصله بسهولة عن استئناف العمليات العسكرية الاسرائيلية في سوريا. فتقاسم سلاحي الجو الروسي والاسرائيلي الأجواء السورية، بعد ان انتقل الاسرائيلي الى مرحلة استهداف مواقع للحرس الثوري الإيراني الاسبوع الماضي، في نقلة نوعية غير مسبوقة، بعدما حصرت عملياتها السابقة باستهداف مواقع ميليشيات تدعمها ايران ومنها لـ «حزب الله»، بما فيها قوافل نقل الأسلحة الإيرانية الى لبنان، على حدّ ما تدّعي تل ابيب في كل مرة.

 

وعلى هذه الخلفيات رجّحت المراجع الديبلوماسية في ما جرى مؤشراً لموجة جديدة من التصعيد على الساحة السورية، سبق ان اشارت اليها سلسلة من التقارير الواردة من أكثر من عاصمة عربية وغربية وهي مرتبطة الى حدّ بعيد بتطورات الأزمة الاوكرانية. وهي تحذيرات تلاقت مع ما نقله الأمين العام للجامعة العربية احمد ابو الغيط الى المسؤولين اللبنانيين. فهو حذّر بصدق الواثق من إمكان تجدّد العمليات العسكرية الواسعة في سوريا نتيجة عوامل عدة، ولا سيما منها الجو الدولي المتوتر الذي تعيشه اكثر من منطقة مأزومة في العالم، حيث تتواجه القوى المتداخلة في الحرب الاوكرانية والتي اصطفت الى أحد جانبيها.

 

كما حذّر ابو الغيط من احتمال ازدياد حجم النازحين السوريين في اتجاه دول الجوار السوري قبل ان يعود المهجّرون اليها. وإن كان لم يشر إلى حصة لبنان الإضافية منهم، فإنّه لفت الى انّ البُعد الجغرافي لمجرى العمليات الجارية في الشمال الشرقي – الغربي للأراضي السورية قد تكون تأثيراته أقل خطورة على الحدود اللبنانية، إلّا في حال كان النزوح اقتصادياً اكثر مما هو أمني، على الرغم من سوء الأوضاع الاقتصادية والمالية في لبنان.

 

وبعيداً من هذه الخلفيات التي تعني الساحة اللبنانية، فإنّ تجدّد العمليات العسكرية الروسية له أبعاد أخرى مرتبطة بالتوتر القائم مع انقرة بسبب دورها في اوكرانيا واستمرارها في مدّ القوات الاوكرانية بالتكنولوجيا العسكرية، ولا سيما منها الطائرات المسيّرة. وعليه، فقد جاءت الغارات لتمسّ الوجود التركي المباشر في مناطق جبل الزاوية، وخصوصاً مراكز المراقبة المتفق عليها لضبط وقف النار. ولكن وقوعها على جبهة محتدمة لم تعرف الاستقرار الأمني، خففت من حدّة الرسالة الروسية، فاستهداف المواقع التركية والصديقة لها يؤشر الى احتمال توسع نطاقها إن لم تعالج الخروقات الأمنية في تلك المنطقة.

 

وإن طُلب من المراجع عينها تقدير الموقف الذي يمكن ان تتسبب به الغارات الروسية بالنسبة الى المواقع الاميركية الواقعة في غرب الفرات، فقد افادت التقارير انّ القوات الاميركية لم توقف عملياتها في المنطقة، ولكنها لم تقترب من مناطق النفوذ الروسي. فالغارات الأميركية الاخيرة التي استهدفت مواقع لـ«داعش» توقفت بنحو ملحوظ منذ اندلاع الأزمة الاوكرانية، وكان آخرها تلك التي استهدفت في الثالث من شباط الماضي مواقع لـ»داعش». فدمّرت اولاً معسكراً للتنظيم في بلدة «أطمة» قبل ان يتبين أنّها تمكنت من اغتيال قائد «داعش» ابو ابراهيم الهاشمي القرشي. ولم ينفع تكتم التنظيم على مقتل قائده منتحراً بقنبلة يدوية فجّرها بنفسه عندما اضطرت الى الكشف عن هوية القائد الجديد وهو «أبا الحسن القرشي» ليكون ثالث «خليفة» للتنظيم الإرهابي الذي يشهد ضعفا واضحا بسبب الهجمات المتتالية التي استهدفته في اكثر من منطقة سورية وعراقية.

 

وانطلاقاً من هذه المعطيات، تريثت المراجع الديبلوماسية في تفسيرها الطحشة الروسية المحتملة في سوريا، لتربطها بكثافة العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تواصلت بنحو مركّز بعد 24 شباط الماضي، وسط اعتقاد بأنّ تفاهماً روسياً إسرائيلياً قد تحقق، أطلق اليد الاسرائيلية في سوريا بنحو لافت من دون اي تدخّل. وإن فُسّرت العمليات الاسرائيلية بأنّها روتينية ضماناً لحماية أمنها القومي، فإنّ العمليات الروسية تستحق تفسيراً آخر. والخوف من ان تتصرف موسكو من اليوم وصاعداً بطريقة عدائية مع خصومها في الحرب الاوكرانية، فتضمّهم الى لائحة النازيين الأوكران الجدد، وهو ما يقود الى معادلة جديدة تتحدث عن قصف موسكو لأنقرة على أرض ثالثة.