الحضور العسكري الروسي المتجدد في سوريا، يحيّر اللبنانيين «لماذا حضروا، ولأي هدف». الصورة غامضة، لا يجدون ضالتهم حتى عند بعض السفراء الغربيين، والطريف ان السفير الاميركي دايفيد هيل، يسأل ايضا عن الغاية التي من اجلها حضر الروس بهذه السرعة وهذه العلنية، الى سوريا، وعن تداعيات هذا الحضور ومدى تأثير ذلك على الوقائع السياسية والميدانية للازمة السورية؟
هذا الحضور، وبرغم الغموض الذي يكتنف حجمه ونوعيته، قسم اللبنانيين المحتارين، بين فريقين:
فريق تنفس الصعداء، وشعر انه تلقى حقنة معنويات، واعتبر الحضور العسكري الروسي اعلان موسكو مظلة امان اضافية للاسد ونظامه، ومانعا صلبا لمحاولات اسقاطه. وهذا هو حال «8 آذار» وسائر حلفاء النظام السوري.
فريق محبط، شعر ان كل الامال التي بناها منذ بداية الازمة السورية قد انهارت بالكامل مع الحضور الروسي، وان رهانه على سقوط الاسد وانهيار نظامه قد ضاع، وبعض المحبطين، ليسوا غاضبين من الروس بقدر ما هم غاضبون من حلفائهم الغربيين والاميركيين، لخوفهم من وجود تسوية ما من تحت الطاولة. وهذا هو حال «14 آذار» وسائر خصوم الاسد ونظامه.
لماذا حضر الروس الى سوريا، وفي هذا الوقت بالذات؟
تقدير هذا الحضور، اختلف بين مستوى لبناني وآخر. هذا يدرجه في خانة «حماية مسيحيي سوريا انسجاما مع موقف الكنيسة الارثوذكسية الروسية»، وذاك يحصره بتعزيز القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، وذلك يدرجه في سياق مبادرة روسية استباقية لترسيم حدود نقطة نفوذ روسيا في مرحلة تقسيم سوريا.
وسط كل تلك الاجتهادات، حسم «تقرير موثوق» ذلك التطور الروسي.
التقرير، الذي ورد الى جهات لبنانية وثيقة الصلة بالازمة السورية، يفيد بأن ممهدات الحضور الروسي ظهرت في لقاء الدوحة بداية الشهر الماضي بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيريه الاميركي جون كيري والسعودي عادل الجبير، لبحث الازمة السورية، في ضوء مبادرة المبعوث الخاص للامم المتحدة الى سوريا ستيفان دي مستورا.
في هذا اللقاء، وقف الروس، على محاولة اميركية ـ سعودية لتمرير تسوية تستبعد الرئيس بشار الاسد، وتخرج من السلطة كل اركان حكمه من مسؤولين وسياسيين وعسكريين وامنيين (اكثر من 120 شخصا)، على ان تتشكل حكومة انتقالية يمنح رئيسها صلاحيات واسعة، ويمهد لانتخابات برلمانية ورئاسية.
روّج الاميركيون لهذه المبادرة، بأنها تمنع انهيار سوريا، وتبقيها كدولة وتحفظ بنيتها. (المؤسسات، الاجهزة الادارية، الجيش والقوى الامنية). قال الاميركيون ان الوضع في سوريا اصبح شديد الخطورة، والمجموعات المسلحة باتت متفوقة على النظام، ولن تسلم دمشق طويلا، وان استطاعت ان تصمد، فلبضعة اشهر وستسقط في نهاية المطاف. قال الاميركيون انهم يريدون ان يتداركوا الامور قبل الوصول الى الاسوأ، «وقبل ان نصل الى مرحلة نجد فيها ان المشهد الليبي قد تكرر مجددا في سوريا».
لم يوافق الروس على تلك المبادرة، واعلنوا «بشار الاسد خطا احمر.. ولا تسوية من دونه»، اعتقدوا في البداية ان الكلام عن سقوط دمشق تهويلي القصد منه تمرير التسوية. لكنهم خشيوا من امر ما يضمره الاميركيون، فأعدوا انفسهم لشتى الاحتمالات، وكيفية مواجهتها.
في الايام القليلة التالية، ارتفع منسوب الاستنفار الروسي اكثر، توالت وقائع ميدانية مقلقة. بداية وصلت اعداد كبيرة من الشيشانيين والقوقازيين الى الشمال السوري عن طريق تركيا، ومثل هذا الامر لا يتم عفوا، بل بتنسيق وترتيب بين جهات دولية.. ومن ثم برزت لعبة إلهاء جانبية، تجلت في السجال الاميركي ـ التركي حول المنطقة العازلة، والتي لم تتوضح صورتها بعد، الاتراك يقولون «اتفقنا عليها مع الاميركيين»، والاميركيون يقولون «لا لم نتفق».
والامر الاخطر، بحسب التقرير، تجلى في مبادرة المجموعات التكفيرية المسلحة الى تنفيذ خمسة هجومات مركزة في الجنوب السوري وفي فترات زمنية متقاربة، ومع ان تلك الهجومات قد فشلت كلها، ولم تتمكن من تحقيق اهدافها، الا انها اشعرت الروس بان ثمة مخططا اميركيا جديا، معدا لاسقاط بشار الاسد، وهذا ما حفّزهم على المسارعة الى اتخاذ القرار بالحضور المباشر، وتقديم جرعة دعم ميدانية ومعنوية ولوجستية وتجهيزية للاسد ونظامه.
يؤكد التقرير، ان الروس لم يحضروا بقوات كبيرة الى سوريا، بل بقوات رمزية، وقرار بانشاء قاعدة عسكرية كبيرة، وتبديل نوعي في كيفية ونوعية التسليح للجيش السوري وتزويده بأسلحة حديثة.
وبحسب التقرير، فإن ما زاد من قناعة الروس بأمر ما يحضره الاميركيون مع حلفائهم الغربيين والخليجيين، هو ما كشفه لهم مسؤولون اوروبيون، وحرفيته ان حرب التحالف الدولي على «داعش» وهمية، فمعاقل «داعش» في سوريا معروفة ومكشوفة امام طيران التحالف، لكن الاميركيين يغمضون العين عنها ويمتنعون عن اصدار الاوامر لضربها.. وكثير من دول التحالف سألوا عن سبب الامتناع عن ضربها، ولكن لا جواب؟
في ختام التقرير وردت عبارة «حضر الروس.. طويت صفحة سورية قديمة وفتحت صفحة جديدة.. والترجمة في الآتي من الايام».