تدخل روسيا اليوم في لعبة قديمة وضع أول تفاصيلها حافظ الأسد: يطلب وزير خارجيتها سيرغي لافروف تحديد من هي «الجماعات الإرهابية» ومن هي الجماعات المعارضة «الشرعية» المطلوب إشراكها في المفاوضات الباحثة عن «حل سياسي»، قبل توجيه الدعوات إلى تلك المفاوضات المأمولة (؟!).
ينسى لافروف، أو يتناسى، أن ما تفعله الطائرات الحربية الروسية منذ انطلاق عاصفتها التدميرية قبل نحو شهر، هو استهداف كل المناطق غير الخاضعة للسلطة الأسدية من دون تمييز بين هدف عسكري وآخر مدني، انطلاقاً من اعتبار «كل معارض إرهابياً» وفقاً لما ورد حرفياً على لسان فلاديمير بوتين نفسه!
وما تجمع عليه، كل آليات الرصد الميداني والاستخباري والسياسي المحلي (المعارض) والإقليمي والدولي، هو أن الحملة العسكرية الجوية الروسية صبّت نحو تسعين في المئة من حمولتها التدميرية على أهداف مضادة لـ»داعش» وليس العكس، مترجمة بذلك، تلك الرؤية البوتينية بحذافيرها، مع أن «داعش» هو العنوان المفترض للإرهاب المعاصر!
قبل اليوم بنحو ثلاثة عقود كان حافظ الأسد يعتمد مع محاوريه الغربيين سياسة إنكار دعمه لأي جماعات تنفذ عمليات إرهابية في الغرب. وكانت جملته الشهيرة دائماً هي «أعطونا الدليل». ثم عندما يأتي الدليل المطلوب، ينتقل إلى جملته الأخرى، الأكثر شهرة من الأولى: «اعطونا تعريفكم للارهاب»!
يغرف لافروف اليوم من ذلك الصحن الأسدي، مع أن الفارق بين الأمرين يمكن أن يوصل إلى حُكم لحظوي عابر لصالح حافظ الأسد يومها وليس ضده. فهو كان منخرطاً في نزاع كبير مع إسرائيل والغرب على التسوية وشروطها، ووفق رؤية استراتيجية شاملة، لم تُغيّب عنصر الإرهاب من بنودها تماماً، لكنها لم تستهلكه مثلما فعل القذافي مثلاً.
أما لافروف فيذهب مع رئيسه إلى مصاف الابتذال في جعل المعطى الإرهابي أساس كل الحراك الباحث عن تأمين غايات ومصالح روسية خاصة وآنية ولا تتناسق أو تتناسب مع ذلك البلاء الذي يضرب السوريين ويزيد من مرارة وقساوة نكبتهم.
الأسد الأب كان يُجادل مبدئياً قبل الدخول في التفاصيل، ويطرح أمام محاوريه معادلة أخلاقية قبل أن تكون سياسية، من نوع أن الغرب يتجاهل آلاف الضحايا الفلسطينيين والعرب الذين تقتلهم إسرائيل، لكنه يستنفر إلى أقصى حدوده الأمنية والديبلوماسية إذا قُتل إسرائيلي واحد أو أوروبي واحد أو أميركي واحد، على يد عربي أو فلسطيني!
وبغضّ النظر عن أن حُكم التاريخ يدين الأسد الأب بما لا يقل وطأة عن إدانة الأسد الإبن، باعتبارهما قتلا من العرب والسوريين والفلسطينيين أضعاف أضعاف ما قتلته إسرائيل.. فإن لافروف الروسي يتجاهل حقيقة موازية لتلك التي كان يتجاهلها الأوروبيون والأميركيون، لكن بالمقلوب. أي أنه يتجاهل كون أي تعريف علمي للإرهاب لا يمكن أن يكون كافياً لاحتواء وتغطية وجمع كل ارتكابات السلطة الفئوية التي يدعمها الروس في دمشق! وأن ارتكاب أي فصيل سوري معارض (إنس داعش الأحجية!) لأي ممارسة تطال مدنيين عُزّل لا يمكن إخراجها من سياقها الوارد في مدوّنة الرد على فظاعات الإرهاب الأسدي. أو في القتال لإسقاط سلطته! وإن أبسط تعريف للإرهاب، كما أعقد تعريف له على السواء، لا يمكن أن ينطبقا حفراً وتنزيلاً، سوى على بشار الأسد والطغمة الهستيرية المحيطة به!
يعرف الروس ذلك وأكثر منه، لكنهم يذهبون في الإسفاف إلى حدود عجيبة: يشاركون السلطة الأسدية في إرهابها لغالبية السوريين و»يساهمون» في ارتكاباتها وفظاعاتها، ثم يتخابثون كالأفاعي، في ادعاء محاربتهم للإرهاب!