Site icon IMLebanon

الروس يرسمون ملامحَ الحلّ في سوريا

رغم دخان المعارك الذي يحجب ملامح الحلّ السياسي لسوريا، إلّا أنّ التدخل الروسي العسكري ساهم عن سابق تصوّر وتصميم في خَلق مبادرات دبلوماسية سياسية وديناميكيّة دوليّة للتوصّل إلى حلّ، لإقتناع الروس أولاً بأنّ العمليات العسكرية وحدها لن توصل إلى نتيجة وخصوصاً إن كانت نتيجتها تكريس الغلبة في الصراع لفريق على حساب فريق آخر.

لا شك أنّ أيّ تسوية سياسية إن حصلت، ستأخذ في الإعتبار المصالحَ الروسية في الشرق الأوسط عموماً وسوريا خصوصاً، بعدما جازف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحشد قواته العسكرية وتأسيس تحالف مع أطراف غارقة في الصراع مثل النظام السوري نفسه وإيران والعراق، مع احتفاظه بأهداف أقلّها توسيع نفوذه السياسي والعسكري في الشرق الأوسط والالتفاف على العقوبات التي فرضتها عليه الولايات المتحدة الأميركية والغرب نتيجة سلوكه في الأزمة الأوكرانيّة.

صحيحٌ أنّ روسيا تتمسّك في خطابها الدبلوماسي المباشَر برئيس «النظام» بشار الأسد، إلّا أنّ برغماتيّة بوتين تُدرك أنّ سوريا في تركيبتها ما قبل الثورة التي قامت عام 2011 زالت إلى الأبد، وبالتالي لا مكانَ للأسد في سوريا، مهما كانت تركيبتها على المدى البعيد، وجلّ ما يمكن أن يقدّمه بوتين للأسد هو بقاؤه لمرحلة موقتة ريثما تنضج التسوية السياسية مع الغرب ودول الخليج العربي، وهذه المرحلة بدأت ترتسم ملامحها من خلال النقاط التالية:

– لم تبدِ روسيا مرة اعتراضها على الإنتقال السلمي للسلطة في سوريا، لكنها عارضت بشدّة أيّ عمليّة تنهي بالقوّة حكم الأسد، وتعارض تحديداً نهاية مذلّة له شبيهة بنهاية صدام حسين أو معمّر القذافي، لذلك أرادت أن تُمسك زمامَ المبادرة لتنظّم توقيت هذا الإنتقال والأسلوب الذي سيتمّ به، مع سعيها الحثيث لمعرفة هوية مَن سيخلف الأسد، وبالتالي أن يضمن لها القائد الجديد مصالحها في هذا البلد الحليف لفترة طويلة.

– انكفاء الولايات المتحدة النسبي في إدارة الصراع في سوريا، وإنعدام الخيارات أمام إدارة الرئيس باراك أوباما بعد سلسلة خطوات تراجعيّة، جعل الروس بقيادة بوتين الحازم والقويّ يديرون اللعبة فيما أكتفى الأميركيون بممارسة حقّ الفيتو، وقد أحرجهم التدخّل العسكري الروسي الواضح في سوريا تحت شعار «الحرب ضدّ الإرهاب»، وهو الشعار نفسه الذي رفعته الإدارة الأميركية منذ هجوم 11 أيلول 2001 الذي استهدف مركز التجارة العالمي في نيويورك، لذلك لم تكن مروحة الخيارات أمام أوباما كبيرة لمعارضة التدخّل الروسي ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، رغم أنّ الروس لم يكتفوا بذلك بل لم يميّزوا بين أطياف فصائل المعارضة المعتدلة والمتطرّفة.

مع ذلك، قبلت أميركا بالحدّ الأدنى من التنسيق العسكري في سوريا كبداية للتعاون في ترتيب الحلّ السياسي المنتظَر الذي اشترط الروس أنه لا يمكن أن يمرّ إلّا بهزيمة «داعش» وتحجيم بعض فصائل المعارضة السورية وخصوصاً ذات الطابع الإسلامي المتطرّف، مع الموافقة على رحيل الأسد من خلال عملية سياسية متكاملة يكون رئيس النظام السوري مواكباً لها خلال مرحلة معيّنة لتنظيم الإنتقال السياسي.

وهذا ما تناقشه الدول المعنيّة في مؤتمر فيينا، وهذا ما تسعى المملكة العربية السعودية أن تحدّ من نفوذه أو على الأقل أن لا يكون الأسد وحيداً في إدارة هذه المرحلة، خصوصاً أنه لا يسيطر إلّا على 30 في المئة من البلاد حالياً. وباتت روسيا مقتنعة بأنه لا توجد أيضاً أيّ فرصة لإعادة الأسد كما كان من دون الدخول في حرب برّية دمويّة وطويلة الأمد.

– أظهرت روسيا بعض ملامح الحلّ المتوقَّع من خلال لقاءاتها مع بعض ممثلي المعارضة السورية وإن لم ترتقِ هذه اللقاءات إلى مستوى الثقة والنضوج، إلّا أنها طلبت من مرجعيات المعارضة تزويدها بالخرائط التي يسيطر عليها الجيش السوري الحرّ، وهذه نقطة إيجابية متطوّرة بعدما كانت الدبلوماسية تعتبر «الجيش الحرّ» مجردَ شبح لا وجود له، معتمدة على المعلومات التي تقدّمها لها مخابرات الأسد.

– رغم أنّ التسوية السياسية وُضعت على نار حامية إلّا أنّ جغرافية سوريا الجديدة لا تزال غير واضحة المعالم، لكن من دون أدنى شك قد لا تعود ككيان واحد بعد حرب مستمرة منذ أربعة أعوام. ولعلّ ذلك سيكون له امتداد وتأثيرات على الدول المحيطة بسوريا كالعراق والأردن ولبنان.

نجاح روسيا في التوصل إلى تسوية سياسية سيجعلها تخرج من هذا الصراع كحامية للأقليات في الشرق الأوسط الكبير، بعدما فقدت تلك الأقليات المسيحية والدرزية والكردية والعلوية ثقتها بالغرب الذي بدا عاجزاً عن حمايتها أمام الثور الهائج «داعش»، وذلك سيساعد على تكريس النفوذ الروسي في المنطقة.