Site icon IMLebanon

الدور الروسي في سورية فرصة ذهبية لإيران

يتّبع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في معالجته للأزمة السورية تكتيكات صلبة يحاول فرضها كقواعد تعامل مكتملة الشروط ومغلقة على أي إمكان للتعديل أو التطوير، إلا في اتجاه تصليب تلك التكتيكات بدرجة أكبر. حتى القوة الروسية الناعمة والمتمثلة في المجال الديبلوماسي باتت تتبع تكتيكات بوتين الصلبة.

وثمّة محفّزات تدفع بوتين بهذا الاتجاه مثل تراخي إدارة اوباما وتناقض توجهات الأجهزة الأميركية تجاه الأزمة السورية على ما كشف الصحافي سيمور هيرش مؤخراً، وكذلك عدم وضوح موقف حلف شمال الأطلسي (ناتو) من التحرك الروسي على حدوده الجنوبية.

شكلت تلك الوقائع مناخاً سلبياً وحاضنة لتوليد التقديرات غير الدقيقة، التي أخذت تؤثر في دوائر صنع القرار في روسيا، وتظهر مؤشرات هذا التأثير في شكل جلي في التطويرات التي يضيفها بوتين على حملته في سورية سواء من حيث توسيع نطاق تحركها أو من حيث رفع سقوف أهدافها.

ولا شك في أن ذلك يخلخل منهجية إدارة الأزمة من قبل مختلف اللاعبين المنخرطين فيها ويؤثر في التفاعلات الإستراتيجية المحيطة بها، ذلك ان منهجية بوتين، في بداية انخراطه في الأزمة، كانت تتّبع سياسة «الإكتفاء المعقول» والتي على أساسها تحقق روسيا أهدافها من دون الإضطرار إلى عبور النقطة الحرجة للمهمّة والذي قد يدفعها إلى الزج بالمزيد من القوة العسكرية، ويعيد تعريف وجودها من المشاركة إلى التدخل، ويفصل بينهما خيط رفيع، وفي سبيل تلافي الوقوع في هذا الخطر يضطر بوتين إلى استخدام الأدوات التشغيلية التي توفرها إيران في الميدان من كتائب وميليشيات، وهو أيضاً ما يدفع موسكو إلى صناعة تحالف عسكري تقوده إيران برياً وتكون المساهمة الروسية فيه على شكل مشاركة في التخطيط التشغيلي وتبادل المعلومات والإشارات الإستخباراتية وتحديد الأهداف.

في مقابل تلك الحاجة تجد ايران نفسها تحت غطاء التفويض الدولي الذي حصلت عليه روسيا بما يمنحها هامشاً واسعاً للمناورة، وفيما تتركز الأنظار على التدخل الروسي وتسلط الأضواء عليه بدرجة كبيرة يتحوّل التدخّل الإيراني إلى عنصر غير مرئي لكنه يعمل بفعالية وراحة أكبر في تنفيذ أهداف المشروع الإيراني، والتي يأتي على رأسها ليس الحفاظ على بشار الأسد بل إعادة صياغة الواقع الديموغرافي في سورية والعراق، بحيث تشكّل الحرب على «داعش» والتوترات الإقليمية بخاصة مع تركيا قنابل دخانية للتغطية على المشهد الحقيقي والتفاصيل الكارثية التي تشكّلها إيران في المشرق العربي.

وباعتبار أن مثل هذا الأمر يستلزم إطاراً زمنياً لصناعته وترسيخه فإن إيران، ستعمل بدرجة كبيرة على عرقلة فرصة صناعة التسوية التي أقرها مؤتمر فيينا مؤخراً وقرار مجلس الأمن الرقم 2254 حتى لو أرادت روسيا عكس ذلك، إذ رغم أن موسكو تبدو ظاهرياً المسيطرة على تفاصيل المشهد السوري لكنها لا تتحكم بكل مخرجاته بما يجعل دورها قاصراً على تهيئة الظروف المناسبة لإيران سواء من خلال ضرب خصوم طهران المحليين وإشغالهم عن مواجهة مشروعها أو عبر الضغط على دول الجوار ودفعها الى الإنكفاء والإنشغال بالاجراءات الإحترازية لمنع حصول صدام مع روسيا، ولا شك في ان ذلك يشكل فرصة ذهبية لإيران يصعب توافرها في وقت آخر، وبالتالي ستعمل إيران على إدامة هذا الوضع أطول وقت ممكن.