IMLebanon

تكتيكات روسيا وخيارات الثوار

لم يكن أحد يستطيع تقدير حجم إخفاق مهمة إيران وأذرعها في الميدان السوري إلا بعد دخول روسيا على خط الحرب، حينها اكتشف الثوار أن تكتيكاتهم وتضحياتهم أحدثت أعطاباً كثيرة في جسم المنظومة الإيرانية بحيث وصلت للى حد أن انهيارها كان قاب قوسين أو ادنى ما تطلب استدعاء الحليف الروسي على عجل في مهمة إسعافية لإنقاذ الوكيل ومشغليه. 

لكن مهلاً، حتى روسيا كانت في قلب الحدث وكانت واحدة من فواعله الميدانيين، الفارق يكمن الآن في نسبة الانخراط ودرجته، ما يعني أن الفشل أيضاً طال الجانب الروسي أقله في طريقة إدارته للحرب التي كان طرفاً فيها، وهذا يعني أيضاً ان الروس لم يدخلوا الحرب حديثاً بل طوروا عملية انخراطهم بأسلوب عملها وحجمها وطرحها في البازار السياسي الدولي.

ربما تلك الحركة التكتيكية هي ما سبب المفاجأة وحالة الارتباك إن على جبهات الثوار أو على صعيد القوى الدولية، وإن كان التسلل الروسي واضحاً للعيان ومعروفة تفاصيله التقنية واللوجستية إلا أن عدم القدرة على تقدير طبيعة السلوك الروسي ومعرفة حدوده وأمدائه هو ما خلق حالة اللبس التي انتظر وضوحها الضربات الاولى من الحرب الروسية الجديدة.

حتى بنك الأهداف الذي تقصفه روسيا لم يكن سراً ولا مخفياً ذلك أنّ الحرب في سورية تموضعت في السنتين الاخيرتين وفق النمط الكلاسيكي للحروب، جيوش مقابل جيوش، المفاجأة هنا أن الروس يقصفون جيشاً يمثل الثورة وشعبها وهذا ما يعتبر خروجاً عن حالة الالتزام الدولي التي سادت في السنوات الاخيرة في التعاطي مع الحدث السوري على أنه حرب أهلية ولا يجوز الانضمام المباشر والعلني لأي من طرفي الصراع خصوصاً وأن الحرب الأهلية هذه ذات طابع مذهبي وامتداد إقليمي وبالتالي فإن أي محاولة لتغيير قواعد اللعبة من الأطراف الخارجية سوف يتم احتسابها على انها اصطفاف صريح إلى جانب أحد طرفي الصراع.

لم يعد مهماً معرفة أهداف بوتين من هذا الدخول الصادم والمفاجئ إلى أرض المعركة إذ يمكن إيجاد أكثر من حافز ودافع في هذا الاتجاه، على الأقل بالنسبة للثوار على الأرض فإن ما يعنيهم أمر آخر تماماً وهو معرفة التكيكات التي يسعى بوتين إلى تطبيقها في حربه وطبيعة رهاناته في الفوز على الثوار من أجل صوغ ردود مناسبة وكسر الهجوم الذي تشنه روسيا.

لا شك أن خبرة بوتين في غروزني وأبخازيا لا يمكن أن تسعفه في تجربته السورية لاختلاف المعطيات والوقائع، ذلك أنه في الحالتين قاتلت روسيا ضمن مساحات جغرافية ضيقة وعدد سكاني محدود ناهيك عن قرب خطوط الإمداد والتموين وإمكانية تزويد الجبهة بأعداد إضافية من الجنود عند أول طارئ، وهذه العوامل تبدو مفقودة في الحالة السورية.

الواضح من تحليل التكتيك الروسي في الأيام الاولى من الهجوم أن القادة الروس يراهنون على الكثافة النيرانية الهائلة لتفكيك بنية الجبهة المقابلة عبر تدمير مقارها ومخازن أسلحتها وقطع خطوط إمدادها وتشتيت كوادرها وقطع قنوات الاتصال بين القيادات والكوادر، وذلك تمهيداً لدخول القوات البرية التي يجري الحديث عن تجهيزها من قبل إيران وتوابعها في المنطقة.

لكن ثمة مشاكل تعتري هذا التكتيك تتمثل بالتحصينات التي أقامتها الفصائل المقاتلة في المناطق المأهولة وإمكانية فرض نمط قتال المدن والشوارع الذي اتبعته في الزبداني وكثير من المناطق التي تسيطر عليها في مختلف المدن السورية والتي عجزت إيران ونظام الأسد عن تحقيق اختراقات مهمة فيها.

من جهة ثانية يملك الثوار مرونة التحول، وخاصة في المناطق المفتوحة، إلى مجموعات صغيرة تقاتل خلف خطوط العدو وهو أسلوب إضافة إلى نجاعته الاستنزافية يدفع الطرف الآخر إلى التخفيف من زخمه الهجومي والانكفاء إلى حالة دفاعية لتقليل حجم الخسائر وخاصة على الصعيد البشري.

حتى اللحظة يبدو أن الثوار يتكيّفون سريعاً مع التطورات العسكرية المتلاحقة، تراجع حجم الخسائر واستعادة الثوار مبادرة الهجوم والقصف حتى في مناطق يملك فيها النظام والروس أفضلية عسكرية أكبر، كاللاذقية، مؤشرات مهمة على سرعة تكيّف الثوار مع الواقع الجديد وانتهاء فعالية الصدمة والمفاجأة وهي أخطر جزئية في الحروب وخاصة وأن الإستراتيجية الروسية تقوم على قاعدة «خطوة خطوة» حيث كانت تأمل في تحقيق نتائج فارقة جراء المباغتة لتبني على الشيء مقتضاه وذلك لم يحصل.

ذلك لا يعني أن التدخل الروسي لن تكون له أثار سلبية ومضاعفات على المأساة السورية، ذلك أن الروس معروفون بهمجيتهم الحربية فضلاً عن أن جيشهم يحتل المرتبة الأخيرة في دقة التصويب مقارنة بالجيوش الغربية مما ينذر بارتكاب مذابح في الجغرافيا السورية في المرحلة القادمة.

() كاتب من سوريا