لم يكن رستم غزالي سوى أداة منفّذة، مثله مثل غيره الكثيرين في تلك الماكينة السلطوية التي يقودها بشار الأسد.
صحيح ربما، أنّه كان أداة «مميزة«، لكن سيرة صعوده لم تخرج عن المألوف في التركيبات المشابهة، حيث المقاييس المعتمدة لا علاقة لها بالكفاءة والاقتدار والألمعية، بل بكل نقيض لها، وأوّل ذلك الولاء الأعمى، ثم التأكيد العملي لذلك الولاء بكل معانيه.
وتلك المعاني تبدأ من الحضيض ولا تبتعد عنه سوى في الشكل. بحيث أن مركب الوصول إلى العُلى في «البعث» السوري مثلما كان في «البعث» العراقي، لا يتحمّل أي وزن للأخلاق ومكارمها، مثلما لا يتحمّل ثقل الراكب وضميره معاً: تذكرة الصعود، شرطها وثمنها خلع ذلك الضمير مسبقاً واعتباره نسياً منسياً. ومن هذا الاصل يتفرّع كل بُعد أدائي آخر. من الشراسة الاستثنائية إلى الابداع في الفتك، إلى إظهار تبلّد جليدي مستعار من التماسيح، بحيث يُفترض أن تكون واضحة تمام الوضوح، القدرة على تنفيذ كل أمر حتى لو كان يتعلق بأقرب الأقارب، ومن دون رفّة جفن أو رعشة عين أو شبهة دمعة حرّى في ليل بهيم!
والحال، أنّ سيرة «البعث» بشقّيه السوري والعراقي، بُنيت على تلك المدوّنة من العنف الضاري والعاري قبل أن تُبنى على مبادئ «الأستاذ» وتلامذته ومريديه الأوائل.. وتكرّس مع الإمساك بالسلطة وإحكام القبض على تفاصيلها وعناوينها، وصغائرها وكبائرها، نوع من «الدستور» الأسود الموازي لذلك المعتمد لآلية الحكم وتوزيع سلطاته. والأوّل على نقيض الثاني تماماً بتاتاً، لا يلحظ أي اعتبار لأي مُعطى قانوني، ولا أخذاً بأي شأن يوصل إلى مفردة «المساواة» بالحقوق والواجبات.. وذلك أنتج، مع توالي الأيام ونوبات الرعب والإرهاب، نسفاً متناسقاً ومتجانساً، لأي سياق تطوّري طبيعي على مستوى الأفراد والجماعات.
كان طبيعياً لهذا النوع من السلطات والأنظمة ومدوّنات السلوك وشُروط «التطوّر»، أن تُخرج ظواهر مثل رستم غزالي، والعشرات من أقرانه.. «فرادة» الرجل، أنّه كان على تماس مباشر مع حالة لبنانية فضّاحة، على عكس الحالة السورية حيث العتم سيّد الأحكام. ولذلك ظهرت خصاله نافرة وجلاّبة للانتباه مع أنّها في العموم، ليست خاصّة به أو امتيازاً حصرياً له، إنّما متأتية في زبدتها من ذلك «الدستور» الأسود الذي ألحق بسوريا وأهلها كل تلك الأهوال المستحيلة.
.. يمكن لكثيرين أن يتركوا ضفة النهر الآن، لكن كثيرين غيرهم لا يزالون هناك، ينتظرون اكتمال «العبور»!