بين وصفها بالزيارة والاكثر من ذلك، مرت رحلة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى الرياض، وسط تضارب المعلومات المسربة عن نتائجها وما حققته بعد مستوى التوقعات المرتفع عما قد تسفر عنه، بدت اطلالة قوية للعهد في انطلاقته على ملف العلاقات اللبنانية – العربية عموما واللبنانية – الخليجية في شكل خاص وتثبيته في اولويات المرحلة المقبلة، خصوصا انها حملت قدرا من الاشارات الايجابية يمكن البناء عليه تقول مصادر ديبلوماسية خليجية، عليه تمثل بإعطاء الملك سلمان توجيهاته الى معاونيه بدرس كل الطلبات المقدمة ومتابعة القضايا المطروحة على الصعد الاقتصادية والمالية والعسكرية والامنية والسياحية.
في التوقيت تشكل بداية عهد جديد عنوانها الواضح المملكة العربية السعودية، هي البوابة التي لا بد من عبورها للعودة الى المجموعة العربية، بحسب المصادر، وقبيل مغادرة الموفد الايراني الى بيروت والذي حمل معه الكثير من المواقف «المستفزة» شكلا للمملكة خصوصا على صعيد تسليح الجيش اللبناني، وبين الاثنين استقبال المملكة لوفد سني برئاسة مفتي اللجمهورية قبيل ساعات من استقبال العماد عون، الذي طالما اتهم «باضطهاده» لتلك الطائفة سياسيا، اما شكلا فرغم الحفاوة الظاهرة فإنها حملت لهذه الجهة اكثر من علامة استفهام ابرزها اسباب غياب ولي ولي العهد عن استقبال الرئيس على ارض المطار، ليبقى المضمون عرضة للاخذ والرد وفقا للخط السياسي الذي يقاربه، وان كان هناك اجماع ضمني على وجوب التريث.
فبعيدا عن الكلام «الوجداني والعاطفي» للعاهل السعودي والحفاوة «العادية» التي استقبل بها زائر المقر الملكي، ظل كلام وزير الخارجية عادل الجبير، وما حمل بين اسطره من رسائل الكلام الابرز في السياسة، والاكثر قابلية للصرف، حيث يستشف منه ان القمة لم تعد كونها «استطلاعية واستكشافية لمواقف الرئيس المحسوب على المحور «العدو»، وان الرياض قررت وضع لبنان تحت مجهر مراقبتها لتبني على الشيء مقتضاه.
وفي انتظار ترجمة «النوايا الحسنة»، بعد اعادة لبنان النظر في السياسات والإجراءات السيادية والأمنية والضريبية والقضائية، التي دفعت بدول الخليج الى اتخاذ الموقف الذي اضر به وبعلاقاته بها، يمكن اختصار النتائج العملية على حدّ قول المصادر بالآتي:
– توقيع بروتوكولات تعاون اقتصادي تحتاج الى الكثير من الاجراءات والآليات قبل ان تبدأ نتائجها العملية بالظهور.
– رفع الحظر الذي فرضته المملكة على توجّه رعاياها الى لبنان للسياحة أو الاستثمار.
– تعهد بدعم لبنان ماديا في مؤتمر اصدقاء لبنان الذي سيعقد في باريس.
– تعليمات ملكية باعادة فتح الاتصالات والمشاورات حول «مكرمة» المليارات الثلاثة للجيش اللبناني، والتي رغم الحديث عن فك اسرها ، الا ان الهواجس السعودية ما زالت على حالها، فضلا عن ان الظروف المالية للملكة في 2017 اصبحت اكثر تعقيدا منه على ما كانت عليه عام 2016 ، وهو ما اقر به وزير المال السعودي، ما سيجعل الرياض عاجزة عن الوفاء بأي التزامات مالية ضخمة.
وفي هذا الاطار تكشف المعلومات عن ان الجانب السعودي سيدفع نتيجة الضغوط الاميركية والفرنسية ثمن مجموعة طائرات «سوبر توكانو» التي كان سبق وتم التعاقد بشأنها، فضلا عن مبلغ آخر لتلبية بعض الحاجات الملحة بعد تعديل قيادة الجيش لبعض لوائح الحاجات التي تم تعديلها بعدما لبت المساعدات الاميركية جزءا منها، وقدرت قيمة ما سيدفع بما بين الـ 300 والـ 500 مليون دولار.
اوساط سياسية تسنى لها الاطلاع على جوانب معينة من المحادثات اللبنانية – السعودية، اكدت ان الاستقرار الامني في الداخل دعم موقف رئيس الجمهورية، كما الوزراء، بجرعات قوية مكنتهم من تدعيم مطالبهم المتصلة بوجوب فك الحجر السياحي عن لبنان ودعم قواه العسكرية والامنية التي أبلت بلاء ممتازا في مجال تدعيم الاستقرار من خلال الامن الاستباقي وكشف شبكات الارهاب ومواجهة مخططاته وابعاده عن حمم نيران البركان الاقليمي المشتعل في الجوار، كاشفة ان الجانب السعودي ابدى اهتماما لافتا بهذا الملف واستوضح سلسلة نقاط تتصل بكيفية عمل الاجهزة العسكرية والامنية والسبل التي تمكّنها من مواجهة الارهاب المتمدد وطرح اسئلة تتعلق بالوضع الحدودي والجيوب غير المضبوطة التي يستغلها بعض الاطراف للتنقل عبرها بطرق غير شرعية بين لبنان وسوريا وهي اسئلة كان طرحها العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز على الرئيس السابق ميشال سليمان ابان زيارته للمملكة وبناء على الجواب الذي ارتكز الى محدودية قدرات الجيش اللوجستية والعسكرية، تقرر منحه « مكرمة» المليارات الثلاثة.
الى ذلك اعتبرت الاوساط ان اختيار العماد عون للسعودية كوجهة اولى له خارجيا لم يكن عن عبث ولحسابات خارجية فحسب، انما لحسابات داخلية، خصوصا عشية الانتخابات النيابية، حيث اراد الرئيس تدعيم اتفاقه مع تيار المستقبل من جهة وتعميق هذا التحالف داخليا، وتحسين صورة العهد تجاه الطائفة السنية وكسب ودها، خصوصا بعدما اطل النهج السابق برأسه من كلمة النائب خالد الضاهر في جلسة الثقة والمعركة التي يعتزم وزير العدل السابق شنها، اما ثانيا فمن باب رد «جميل» تبني الترشيح والانتخاب، الذي جاء بقرار سعودي ، حيث «تلقط» العهد بالدعوة التي وجهتها المملكة وبادر الى تحديد موعد للزيارة منكبا على تحضير جدول اعمالها، حيث اجمع فريق الرئيس على صوابية هذا الخيار وضرورة تقديم اوراق قوة تعزز موقع الرئيس الحريري ودوره لاعادة التوازن الى السلطة ما يسمح لرئيس الجمهورية بلعب دوره في حفظ هذه المعادلات انطلاقا من «وسطيته» الإقليمية النابعة من أهمية العلاقات اللبنانية – السعودية وضرورة إعادتها الى طبيعتها.
فهل حققت الزيارة المرجو منها وخرقت جدار الازمة بين البلدين؟ وهل ما جرى «تحت الطاولة» ذهب ابعد مما اعلن وابقي مكتوما الى ان تحين الساعة؟ والاهم كيف ستنسحب نتائجها على التوازنات السياسية في الداخل؟ وعليه متى ستظهر النتائج العملية الموعودة?