بعد أيام معدودة على اجتماع القصر المالي الذي انتهى بتكليف حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة إتخاذ التدابير التي يراها مناسبة من أجل حفظ الإستقرار النقدي في البلاد، يمكن القول إنّ هذا التكليف هو مسؤولية كبرى تُلقى على عاتق هذا الرجل الذي يحمل على منكبيه واحدة من أخطر المهام في تاريخ لبنان الحديث، في وقت تخسر عملتنا الوطنية الكثير من قيمتها أمام العملة الخضراء وسائر العملات الصعبة.
وفي يقيني أنّ حاكم المركزي قبل هذه المهمة التي يمكن وصفها بأنها «فدائية»، فالأوضاع اللبنانية عموماً وارتباطها بالتطورات في الإقليم المشتعل والعالم المضطرب التي تنعكس على لبنان… هذه الأوضاع والتطورات والمستجدات تضع العراقيل في طريق رياض سلامة الذي يتعرّض الى أشرس حملة عليه… ومن أسف أنّ هناك مَن يحاول أن يحرّف الحراك المدني عن مساره بتركيز الحملة على رياض سلامة، إلاّ أنّ ثقتنا كبيرة بالثورة العظيمة بأنها ستواصل طريقها من دون أي انحراف عن الأهداف التي إلتفّ حولها الشعب من الناقورة الى النهر الكبير ومن فقش الموج الى مرمى الثلج.
ويأتي تكليف رياض سلامة «المهمة الصعبة» كي لا نقول المستحيلة دليلاً على أنه رجل المرحلة، إضافة الى أنه دليل ثقة كبيرة به، إستناداً الى الدور الذي أدّاه في خلال الربع قرن الذي تولّى، طوال سنواته، حماية العملة الوطنية في مراحل عديدة دقيقة.
واليوم، فيما تبلغ الأزمة ذروتها، وفيما تنهار العملات من حولنا (سوريا والعراق وإيران..) وبينما تنطلق ثورة غير مسبوقة في أهميتها ونضجها، وإذ تتعطل الدورة الاقتصادية جراء الأحداث المتتالية، كان من الطبيعي أن تتأثر العملة الوطنية…
ولا يفوتنا أن نشير الى أنّ النهج الذي يعتمده «حزب الله» منذ عقود، وخصوصاً منذ هجمة 7 أيار الشهيرة على بيروت وأهلها، ووضع ذاته رأس حربة إيرانية في التهجّم والتجنّي على الدول العربية عموماً ودول الخليج العربي خصوصاً… هذا النهج مهّد لما أصاب الليرة اللبنانية من وهن، خصوصاً بما تضمنته الحملة على المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وسواها من تجنٍ كبير، انعكس مباشرة على ضمور الاستثمارات العربية تدريجياً حتى كادت أن تتوقف نهائياً، يرافقها توقف المورد السياحي الى حد كبير وكان هذا القطاع يشكل عمود الاقتصاد اللبناني…
وبالرغم من هذه الظروف كلها يتصدّى رياض سلامة للأزمة المالية فيأخذها بصدره بالرغم ممّا يحوط مهمته من صعوبات وعراقيل، مستنداً الى خبرة طويلة، ومسار صحيح في الحاكمية، وإرادة صلبة.