رجل موثوق الرئيس سعد الحريري. وحضوره مؤشّر ثقة أكيدة بلبنان والعكس صحيح. بحيث أنّ غيابه أو ابتعاده يعنيان أخباراً غير طيّبة على المستوى الوطني العام، ودلالة مصاعب أكيدة.
الأيام الماضية ضجّت بأشياء كثيرة، وبمفارقات أكثر. وبدا وكأنّ اللبنانيين أعادوا اكتشاف عناوين جامعة لهم. ومكوّنات في جيناتهم لم تكن واضحة! أو إن الغلَبَة فيها كانت دائماً للذاتي على العمومي. وللطائفي والمذهبي على الوطني العام.. ثم شيوع الاستئناس بخاصيّة نطح الحيطان وعدم الانتباه الى صلابتها وصوّانيّتها إلاّ بعد سريان الدم خارج شرايين الرأس وخطوطه الطبيعية!
وليس قليلاً، أن يكون الرئيس الحريري هو المحفّز الأوّل على الأمرَين المتناقضَين: الحضور والغياب والقلق والطمأنينة. وأن يحظى في ذلك بمرتبة أعلى قدراً من مرتبة غيره.. في حين أنّ ذلك الغير، وخصوصاً (مثلاً) قادة «حزب الله» لا يعني «حضورهم» أو خطابهم شيئاً آخر غير القلق والتوجّس والتوتير والاستنفار والضجيج المنفر! حتى في محاولة تلبّس أدوار تهدويّة و«تثقيفية» ورعويّة وإرشاديّة لا تغيب «الأدوار» الأولى عندهم. ولا تخرج الخلاصات عن أصولها القائلة بأنّ هؤلاء أهل مشروع نزالي قتالي رسالي خلاصي، أكبر وأشمل من عاديّات العيش والسعي التلقائي الى «ممارسة» الحياة مثلما يُفترض مبدئياً منذ «فجر» البشر وحتى قيام الساعة!
الرئيس الحريري وحده تقريباً يدلّ في «حضوره»، بالنسبة الى أتباعه وأخصامه وجهوره وجمهور غيره على حدٍّ سواء، على أمر جيّد وتفاؤلي بغضّ النظر عن التفاصيل والعناوين والقدرات وغيابها..
ووحده تقريباً، يدلّ في «غيابه» على أمر سيّئ وتشاؤمي، وبغضّ النظر أيضاً عن التفاصيل والعناوين، وبالنسبة الى أتباعه وأخصامه وجمهوره وجمهور غيره على حدٍّ سواء.
وهذه خاصيّة ولّدها تراكم كان بدأ منذ أيام الرئيس الراحل رفيق الحريري وجاءت الحوادث الكبيرات والجليلات لتؤكدها. بحيث أنّ الرجل كان عنواناً لمرحلة ما بعد الحرب والانتهاء منها ومن فصولها وأشيائها. وعندما اغتيل صار الغدر به عنواناً للعودة الى مرحلة أخرى يصحّ وصفها بالحرب الأهلية الباردة تارة، وبالسلام الحار تارة أخرى.. وبالسلبيات والأزمات وانعدام الرجاء دائماً! ومثله أيضاً حال وريثه سعد. سوى أنّ اختلاط المشهد الحالي يدلّ على «إجماع» حوله في حياته. فيما الأمر ذاته، وفي ظاهره على الأقل، لم يحظَ به والده إلاّ بعد موته!
انتظر اللبنانيون (والمصطلح أكيد!) إطلالته عبر التلفزيون بالأمس كما لم ينتظروا شيئاً آخر منذ عمر طويل.. وافترض أنه لم يسبق، أقلّه في السنوات الأخيرة، أن حظيت مقابلة سياسية وغير سياسية، بتلك المتابعة الشغوفة وعلى ذلك النطاق الواسع.. وكأنّ الناس كانت تريد «الاطمئنان» على أوضاعها بالقدر الذي تريد الاطمئنان على «حالة» رئيس حكومتهم، والبناء على ذلك لتلمّس «حالة» لبنان في الإجمال.. إرتاحوا لأنّهم رأوه وسمعوه. وتفاءلوا خيراً برغم أن الأزمة عويصة وليست سهلة! وفي المخيال العام ذلك التشخيص المبدئي: سعد الحريري عنوان شخصي لوضع عام.
إن «حضر» خير وإن «غاب» شر!