فتحَ الحديث عن إمكان إعتذار الرئيس المكلّف سعد الحريري الباب واسعاً على عدد من الأسئلة أبرزها: كيف سيتجه الوضع السياسي إن تمت هذه الخطوة ومن سيكون الخلف القادر على التعامل مع هذا العهد؟
منذ دخول الرئيس رفيق الحريري إلى المعترك السياسي بعد انفجار ثورة الدولار عام 1992، بات المرشّح شبه الوحيد لرئاسة الحكومة، ولم يصل غيره إلى السراي منذ بداية مسيرته في رئاسة الحكومة إلا في أول عهد الرئيس إميل لحود، حيث اختار النظام السوري الرئيس سليم الحص لتولي رئاسة الحكومة، ومن ثمّ زاح الحريري عن المشهد الحكومي بعد التمديد للحود في أيلول 2004، يومها أيضاً إختار النظام السوري الرئيس عمر كرامي.
بعد زلزال إستشهاد الحريري تبدّل المشهد، لكن على رغم احتكار تيار “المستقبل” للزعامة السنية شهد منصب رئيس الحكومة تغييراً كبيراً، ففي أول إستحقاق بعد الإغتيال إتفق كل من الفرنسي والسعودي والأميركي والإيراني على تسمية الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل حكومة إنتقالية مهمتها إجراء الإنتخابات النيابية.
إنسحب السوري في 26 نيسان 2005، وبعد الإنتخابات النيابية وتثبيت زعامة الرئيس سعد الحريري تمّت تزكية الرئيس فؤاد السنيورة ليشكّل حكومة، من ثمّ جُدد التكليف له بعد إنتخاب الرئيس ميشال سليمان في 25 أيار 2008.
جرت إنتخابات 2009 وفازت قوى 14 آذار بالغالبية النيابية واختار الحريري ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة التي أسقطت في كانون الثاني من العام 2011، يومها بدأ أول تفكير جدّي بمن سيكون الرئيس المكلّف، ففضّل “حزب الله” و8 آذار تسمية كرامي، لكن “البوانتاجات” أكدت أنه لن يفوز فتمّ اختيار ميقاتي مجدداً.
إستقال ميقاتي نتيجة فشل حكومة اللون الواحد فوقع التوافق على تسمية الرئيس تمام سلام الذي أكملت حكومته واستلمت صلاحيات رئيس الجمهورية، بعد الفراغ الرئاسي الذي وقع في ليل 24 – 25 أيار 2014.
في كل تلك المراحل لم تكن هناك مشكلة في تسمية الرئيس المكلّف، وبعد إبرام التسوية الرئاسية عاد الحريري إلى السراي مرتين في عهد الرئيس ميشال عون واستقال بعد ثورة 17 تشرين، عندها كانت نقطة التحوّل المحورية، فالحريري غير مرغوب فيه سعودياً ولا يستطيع السير بشروط العهد والنائب جبران باسيل، لذلك فقد اختار لعب دور “حارق” الأسماء إلى ان وقع الإختيار على الرئيس حسان دياب.
والجميع يعلم ظروف إستقالة دياب بعد انفجار 4 آب، عندها أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مبادرته الشهيرة وساعد الأوروبيون في اختيار اسم السفير مصطفى أديب، لكن تقاطع المصالح بين “حزب الله” والحريري أدى إلى إفشال مهمة أديب وتطيير المبادرة الفرنسية، ليعود الحريري بعدها رئيساً مكلفاً بأدنى نسبة أصوات نيابية وبلا غطاء مسيحي قوي.
وفي حال إعتذر الحريري فعلاً فان المشكلة ستكون أكبر، فلا يستطيع العهد و”حزب الله” والحلفاء تسمية مرشّح سني من دون غطاء الحريري ولا يمكن للحريري قبول الهزيمة وتقديم هدايا مجانية لعهد فشّل مهمته، وبالتالي فان البحث يعود إلى نقطة الصفر. لكن المتغيّر الأساسي الذي قد يطرأ هو وجود تفاهم عربي ودولي على الإسم الجديد، فالدول لا تعمل على “الغميضة”، وبالتالي فان الإسم البديل قد يكون في الجيب مثلما حصل مع اسم السفير أديب.