يقف الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري في الوسط حكومياً، بعد مرور 8 أشهر على تكليفه من دون التمكّن من التأليف، فلا يأخذ خيار الاعتذار ثمّ استقالة نواب تيار «المستقبل» من مجلس النواب لقلب الطاولة على الفريق الحاكم كما يدعوه حليفه السابق رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ولا يتجه الى إجراء تسوية حكومية كما يدعوه رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط. هذان الطرحان، بالنسبة الى فريق الحريري، غير واقعيين، فلجهة التسوية سبق أن شارك الحريري فيها من خلال قبوله مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولا «تسويات أكثر من ذلك»، أمّا لجهة الاعتذار وعلى رغم أنّه بات خياراً أكثر جدية فله انعكاساته على البلد، أمّا الاستقالة من مجلس النواب، فهي خطوة غير عملية ولا تؤدي الى نتيجة فورية إيجابية.
يعتبر فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنّ الرئيس المكلف يتهرّب من التأليف أو غير حاضر له، لافتاً الى سفره الدائم والمستمرّ. لكن، بالنسبة الى فريق الحريري، هذا السفر ليس الحائل دون التأليف، ولا يعني أنّ الحريري غير مهمتم بأوضاع الناس و«قلبه ليس على البلد»، فـ«الذي يحاول أن يقوم به حين يكون في الخارج، يساعد البلد أكثر ممّا يتصوّره البعض، لأنّه يسعى إلى إيجاد مظلة وطلب المساعدات، ونتائج سفره لا تظهر لأننا لا نعلنها، فيما تحقّقت من خلاله إيجابيات عدة على المستويين الصحي والاجتماعي، كذلك إنّ بقاء الرئيس المكلف في البلد لا ينتج شيئاً، فالمشكلة ليست في أين يكون، والجميع يعلم أنّه يحضر الى لبنان خلال ساعات، حين يظهر أي شيء إيجابي على المستوى الحكومي».
أمّا السؤال الذي يطرحه كثيرون، فهو: ماذا ينتظر الحريري؟ فإذا كان يرى أنّ التأليف لن يحصل إلّا بالتفاهم مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل كما يقول فريقه، وإذا كان متيقّناً من أنّ عون وباسيل لا يريدانه رئيساً للحكومة، وإذا كان يعلم أنّ العرقلة ستلاحق عمله الى ما بعد التأليف في حال نجح في التأليف، ماذا ينتظر ليعتذر؟ أو لماذا لا يتوجّه الى القصر الجمهوري ويعرض تشكيلة جديدة على عون ولا يخرج من القصر قبل التوافق معه وإعلان ولادة الحكومة؟
تقول مصادر قيادية في تيار «المستقبل» إنّ الحريري ينتظر حكومة من المستقلّين غير الحزبيين بلا ثلث معطّل، أمّا الخيار الآخر فهو الاعتذار، لكنه عملياً أسوأ من عدمه، لأن «لا حكومة ستؤلف بالشروط التي يفرضها باسيل في هذه اللحظة. وخيار الاعتذار يجب أن يكون مقدمة لخطوة أخرى توقف الانهيار، ومن ضمنها اقتناع رئيس الجمهورية بحكومة إنقاذ ومهمة، لكنّ الإصرار على حكومة يسيطر عليها باسيل هو الذي يؤخّر تأليف حكومة، وليس اعتذار الحريري أو عدم اعتذاره».
وتعتبر هذه المصادر أنّ الحريري لا ينتظر، فمجلس النواب كلّفه تأليف الحكومة، وهو يمارس مهمته بتكليف دستوري، وقدّم أكثر من تشكيلة وزارية الى عون ترتكز الى المعايير نفسها، وحين حاول رئيس الجمهورية أن ينزع الصفة الدستورية المعنوية عن تكليفه من خلال الرسالة التي وجّهها الى مجلس النواب، أعاد المجلس تأكيد تكليفه الحريري، وبالتالي هو ينتظر حكومة يؤلفها انطلاقاً من توكيل مجلس النواب.
أمّا الاستقالة من مجلس النواب فلن تغيّر شيئاً، بالنسبة الى «المستقبل»، ولا تعني إلّا انتظار الانتخابات المقبلة، هذا إذا حصلت، إذ «في الخيار الانتحاري لعون وباسيل لن يكون هناك انتخابات لا فرعية ولا أصيلة». كذلك تعتبر مصادر «المستقبل» أنّ ما يسوّقانه عن أنّ جميع الأفرقاء سمّوا وزراء في الحكومة، وبالتالي يحق لعون تسمية الوزراء المسيحيين أو 10 منهم، غير صحيح، وأنّ «ورقة التوت التي يعلّقون عليها القضية وهمية لأنّها تتعارض مع كلام الجميع»، لافتةً الى امتعاض جنبلاط من تسمية الحريري الشخصية الدرزية التي ستتولى وزارة الخارجية. بدورها، تؤكد مصادر نيابية في «المستقبل» أنّ ما يقال ليس صحيحاً، وهذه حجج يتذرّع بها فريق بعبدا لتبرير تجاوز أصول التأليف، مشيرةً الى أنّ جنبلاط طلب توزير عباس الحلبي ولم يسمّه الحريري، كذلك طرح بري 5 أسماء لوزارة المال، لم يختر الحريري أيّاً منها، ورئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية يقول إنّه لم يعطِ أي اسم للحريري و»حزب الله» يقول إنّ الحريري لم يأخذ منه أي اسم.
وتؤكد المصادر النيابية أنّ الحريري كان يسعى من خلال ما سُمّيت التنازلات الى أن يدوّر الزوايا بمقدار الإمكان للوصول الى حلّ يوقف الانهيار في البلد، لكنّ تضحياته لم تصل الى اي نتيجة، ولم يُلاقَ بالطريقة نفسها من الطرف الآخر الذي يزيد من تَعنّته أكثر، وهذا يؤدي الى أن تكون هناك خيارات أخرى مطروحة بجدية أكبر أمام الرئيس المكلف، ومنها خيار الاعتذار.
أمّا خيار التسوية، فسَلكه الحريري، على ما تقول المصادر إيّاها، لافتةً الى أنّ الحريري، تماشياً مع مبادرة بري، طرحَ تشكيلة من 24 وزيراً، فيها توزيع للحقائب على الطوائف بلا أسماء، اعتبر بري أنّها «ممتازة»، كذلك وصل الى الحريري من «حزب الله» حليف باسيل والذي يستنجد به أصداء عنها أنّها «ممتازة». وبالتالي «أي تسويات بعد أكثر من ذلك؟». وتشير الى أنّ «الشروط التي يفرضها الحريري لتأليف الحكومة ليست شروطه بل شروط نجاح الحكومة، كما تبلّغ من مرجعيات كلّ دول العالم، لكي تتمكّن من جلب المساعدات ووقف الانهيار. إلّا أنّ فريق عون ـ باسيل لا يريد حكومة إلّا بمعايير تمكّنه من أن يتحكّم بقراراتها، ومن أن يسيّرها على إيقاع الانتخابات الرئاسية المقبلة والبحث عن مستقبل سياسي لباسيل».
أمّا الآن، فيحاول الرئيس المكلف أن يفسح المجال للمبادرات، وآخرها مبادرة بري، للوصول الى حلّ لتأليف حكومة. وإذ تشير الى أنّ اتفاقه مع عون لن يكون مضموناً بدوره لأنّه سبق أن اتفق معه ولكن «وطاويط الليل خربطوا هذه الاتفاقات»، تؤكد أنّ الحريري لن يرضى بمخالفة الدستور والتأليف مع باسيل. لذلك، وبعد ان رفع باسيل السقف حكومياً ووضع العصي أمام حكومة (8+8+8) معتبراً أنّها مثالثة، هناك خيارات أساسية سيتخذها الحريري، وخيار الاعتذار موضوع على الطاولة، إذ إنّ دوافعه تكبر أكثر لكن لم يصل بعد الى مرحلة القرار، لأنّ لهذا القرار انعكاساته وارتداداته على البلد، ولا يجب استِسهاله.