بات لدى الرئيس المكلّف سعد الحريري قناعة بأنه لن يستطيع تأليف حكومة حتى لو احتفظ بالتكليف في جيبه طوال عهد الرئيس ميشال عون.
لا يمكن مقارنة سعد الحريري 2021 بسعد الحريري 2005 أو 2009 أو حتى 2016 لحظة إقرار التسوية الرئاسية، ففي تلك الفترات كان الحريري مطلباً دولياً وعربياً وصاحب علاقات واسعة ورثها عن والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ويُعتبر رمزاً عربياً في التصدّي للقوى المدعومة من إيران وعلى رأسها “حزب الله”.
لكنّ القاعدة تبدّلت اليوم، فالحريري بحسب نظرة المجتمع الدولي بات واحداً من “كلّن يعني كلّن”، وتردّى وضعه كثيراً إلى درجة أن المملكة العربية السعودية أقفلت أبوابها أمامه، وغضبت عليه فرنسا، وكذلك فإن واشنطن غير متحمّسة لعودته إلى السراي الحكومي نتيجة تجاربه السابقة غير الناجحة.
وتؤكّد مصادر دبلوماسية أن الحريري سبح هذه المرّة عكس الرياح الدولية، فبعد انتفاضة 17 تشرين 2019 ومن ثمّ انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في 4 آب من العام الماضي، كان مطلب المجتمع الدولي حكومة إختصاصيين مستقلّة من رئيسها حتى وزرائها، وحضر اسم السفير اللبناني في ألمانيا مصطفى أديب ليكون رئيس الحكومة الذي يطبّق مندرجات المبادرة الفرنسية، لكن الحريري و”الثنائي الشيعي” أجهضا المبادرة نتيجة الخلاف على وزارة المال، وتمسّك “الثنائي الشيعي” بها ورفض الحريري منحه إياها، ليتبيّن لاحقاً أنه كان هناك مخطط لضرب مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وتلفت المصادر إلى أن “الحريري تمسّك بغطاء “الثنائي الشيعي” لمواجهة خصومه الجدد في الداخل، وعلى رأسهم رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل و”غطس” كثيراً في اللعبة، وأتته النتيجة السلبية، فـ”الحزب” لن يفضل الحريري على باسيل الذي يؤمّن له الغطاء المسيحي وأعطاه كل ما يريده في الدولة، في حين أن دعم “حزب الله” في بعض الأماكن، وإن كان نافعاً داخلياً بفعل سيطرته على مقومات الدولة والسياسة، فانه مضرّ أميركياً وسعودياً وأمام المجتمع الدولي”.
وفي السياق، فإن الحريري بات محشوراً، فمن جهة لا يمكنه التراجع والظهور بمظهر الخاسر أمام باسيل والعهد، ومن جهة ثانية لا يمكنه الإستمرار كرئيس حكومة مكلف إلى أبد الآبدين، لكن الأساس يبقى أن التضامن الشعبي الذي حصده في بداية مواجهته لباسيل والعهد تبخّر، لأن الشعب بات يحمّل عون والحريري مسؤولية مشتركة في عدم تأليف حكومة تضع حداً لمآسيه المتمثّلة بانقطاع الكهرباء والماء والمحروقات والدواء وانعدام سبل العيش والهناء.
واذا كان المجتمع الدولي قد ترك اللعبة الداخلية تأخذ مجراها خلال تسمية الحريري بعد اعتذار مصطفى أديب، إلا أن الوضع اليوم بات مختلفاً كلياً، لأن لبنان عملياً بات بحاجة إلى مساعدة خارجية لحلّ مشكلاته السياسية والإقتصادية والإجتماعية، فلو كانت الطبقة السياسية قادرة على حلّ مشكلاتها بمفردها لكانت شكّلت حكومة ولم تترك البلاد بلا مجلس وزراء منذ آب الماضي.
من هنا، فإن تسمية كل الأسماء التي تُطرح من النادي السياسي لترؤس الحكومة غير دقيقة، لأن المجتمع الدولي مصمّم على حكومة مهمّة تتألّف من إختصاصيين، ولا تمتّ إلى الطبقة السياسية بصلة، وإلا فالإنهيار سيستمر إلى ما لا نهاية.