IMLebanon

كباشُ الأكباشِ المكبوشة

 

حاول الرئيس الحريري أن يجترح تسوية بينه وبين العهد ممثّلا بالوزير باسيل، صديقهُ الـ intime في الانتخابات النيابيّة التي خرَجَ منها من تحالفه مع حليفه الاستراتيجي، سمير جعجع، ليس إلا محاولة فاشلة منه لتطويق “الحكيم” إنتخابيّاً، ليجد نفسَهُ بعدها محكوماً بتسوية مع العهد بعدما أخرجته الناس من الحكومة على أثر ثورة 17 تشرين 2019. وعاد فطرح نفسَه رئيساً مكلّفاً طَبيعيّاً بعد استقالة حكومة الرئيس حسان دياب التي عمل هذا الأخير على شلّها عمَليّاً في مهمّة تصريف الأعمال التي لم يقم بها يوماً.

 

هذا في التوصيف، أمّا في الواقع، وبعد تسعة أشهر من مناوشات في التأليف الحكومي على وقع انهيار اقتصادي غير مسبوق في العالم أجمع، بدا الحريري ككبش قدم نفسه على مذبح الوطن، طالباً من جماهيره أن يشعلوا المجامر ويعلوا الصلاة عند رحيله. مقابل ذلك بدا واضحاً الانتشاء الباسيلي الذي أتى كنتيجة للشَّبَقِ السياسي الذي عَهِدَهُ الوزير باسيل، ولو على حساب انهيار الهيكل وانكسار فراش التسوية مع صديقه “سعد”.

 

هذا الكباش الذي خاضه الكبش مع العهد طوال التسعة الأشهر، أخرجه في نهاية المطاف من حلقة التمثيل السياسي في السلطة التنفيذيّة. لكن على ما يبدو أنّ الحريري سيتّجه إلى تعويم نفسه بنفسه في المرحلة المقبلة من خلال العمل على تثبيت قدرته التمثيليّة في شارعه. وهذا ما قد يدفعه إلى إعادة تموضعه الاستراتيجي القديم مع حليفه الاستراتيجي سمير جعجع، الذي قد يلتقي معه حول مطلب “القوّات” بإعادة إنتاج السلطة السياسيّة في عمليّة انتخابات نيابيّة ولو بتوقيتها.

 

وهذه الطريقة الفضلى التي قد تحرّر الحريري المكبوش من قبل العهد ومن خلفه الثنائي الشيعي، ولا سيّما “حزب الله” الممسك بمفاصل العهد واللعبة السياسيّة. وعلى الهامش، نشرح للقارئ جذر كلمة “المكبوش” لغويّاً وهي اسم المفعول من فعل كَبَشَ، وكَبَشَ الشَّيْءَ يعني تَنَاوَلَهُ بِجُمْعِ يَدِهِ. وهذه هي حال الكبش المكبوش سياسيّاً من قبل مايسترو العهد، أي “حزب الله”. ولن ينفعه بعد اليوم أيّ اتّكال على فرض أمر واقع سوى بالانتخابات النيابيّة التي وحدها قد تحرّره من كابشِه، مايسترو العهد.

 

وهذا ما سيضع العهد أمام واقعَتين اثنتين:

 

– الأولى تكمن بتسهيل ولادة حكوميّة بعد إيجاد الاطفائي الذي سيحمل كرة النّار، حيث ستكون مهمّته مزدوجة بين جلب المساعدات الماليّة لكبح الانهيار، وإجراء الانتخابات النيابيّة.

 

– الثانية قد تكون بالحفاظ على “ستاتيكوَيْن”: واحد تعطيلي ديموقراطيّ وآخر تصريفيّ للأعمال إذا ما لمس من الحريري قدرة على استعادة شارعه السنيّ بالكامل، فضلاً عن استعادته لتموضعه الاستراتيجي الـ14 آذاريّ السياديّ، الذي أمّن له زعامة ما بعدها زعامة في شارعه المجروح آنذاك.

 

والمرجّح أن يحاول المايسترو تسريع الإيقاع السياسي للأحداث إذا ما استشعر ضعف الحريري ليفرض أمراً واقعاً جديداً انتخابيّاً، قد يتواءم مع الملفّ التفاوضي الاقليمي بين أميركا وإيران. وذلك ليتجنّب هو بنفسه أن يتحوّل إلى كبش مكبوش من إيران التي قد تقدّمه على مذبح التفاوض، لتنجو بما تبقّى لها من مقوّمات البقاء للثورة الاسلاميّة فيها. وهي على سباق شرس مع المقاومة الايرانيّة التي تقودها رئيسة الجمهوريّة “مريم رجوي” من خارج الحدود وبدعم دوليّ معهود.

 

وتجدر الاشارة إلى أنّ “رجوي” منتخبة من قبل المقاومة الايرانيّة. وقد عقد المؤتمر العالمي لإيران الحرّة لحركة مقاضاة الشعب الايراني لمسؤولي المجزرة، التي راح ضحيّتها أكثر من 30 ألف سجين سياسي عام 1988، أكثر من 90% منهم من أعضاء منظّمة “مجاهدي خلق” بعدما أصدر وقتذاك، مدّعي عام “لجنة الموت” التي تأسست بأمر من المرشد برئاسة القاضي ابراهيم رئيسي، الذي أصبح اليوم رئيساً للجمهوريّة الاسلاميّة في إيران.

 

أمام هذه الوقائع تبدو اليوم الـBonjour القوّاتيّة أقرب بكثير إلى الواقع السياسي الذي وضعتنا أمامه الـBonjour الحريريّة. والسباق الذي سيخوضه الحريري، الكبش الأوّل، لتثبيت قدرته السياسيّة مع المكبوش، أي “حزب الله”، الذي هو بدوره كبش ثانٍ، لكن على المذبح الدّولي؛ هذا السباق هو الذي سيحكم ما تبقى من العهد. ووحدها الانتخابات النيابيّة ستكون لها الكلمة الفصل لاستعادة كلّ فريق هيبته السياسيّة. وقد تشكّل بدورها سباقاً جديداً يخوضه الأفرقاء السياسيّون لتثبيت قدراتهم السياسيّة. فمن ستكون الأكباش السياسيّة حينها؟