بحفاوة بالغة استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري الرئيس الأسبق للحكومة سعد الحريري. مسارعة رئيس المجلس إلى فتح ذراعيه ترحيباً بوصوله لها دلالاتها. يوم استشهد رفيق الحريري قال بري للحريري الابن «منذ هذا التاريخ أنت ولد من أولادي». وعلى هذا الأساس ثمة تداخل في العلاقة بين الشخصي والسياسي. يكاد بري الوحيد من بين السياسيين الذين حافظوا على الحريري وثمنوا استمرار وجوده كزعيم للسنة في لبنان وعلى رأس الحكومة. وتمنى عودته اليوم قبل الغد. أمنية يتشاركها معه «حزب الله» وآخرون.
بما لا يقبل جدلاً أو نقاشاً أثبتت زيارة الرئيس الأسبق للحكومة سعد الحريري أن للرجل حضوراً شعبياً وسياسياً واسعاً. من ساحة الشهداء وسط المحتشدين لإحياء ذكرى والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى جدول لقاءاته ومواعيده التي شملت الكل تقريباً كان واضحاً أنّ الحريرية السياسية لا تزال لها في الوجدان كما في الواقع دورها الفاعل. بشيء من التناقض تعاملت القوى السياسية معه يوم كان رئيساً للحكومة وكيف فتحت ذراعيها لملاقاته اليوم مرحبة بعودته إلى الحياة السياسية. الحريري الذي لم يكن وجوده مستساغاً على رأس الحكومة صار حضوره حاجة وضرورة لغياب البديل وضعف الحضور السني واختلافه عما كان عليه. أكثر ما توضّح في زيارة سعد الحريري أنّ للرجل كتلة نيابية وازنة. عدد من النواب خرج إلى الاعلام يتحدث بلسان حال السنة من منطق «تيار المستقبل»، وآخرون كان لهم دورهم في التحضير للزيارة والمساهمة بإنجاحها.
على خلاف الزيارة الماضية بدا الحريري أكثر انفتاحاً وواقعية ومنسجماً مع نفسه. غيابه شكّل عامل قوة. وكل ما أحيط بزيارته كان من باب التمهيد لعودة قريبة، وليس بعيداً أنّ الاحتفال بالذكرى العام المقبل سيكون في ظل اقامته الدائمة ولن يكون خلالها مجرد زائر. بحضوره وما أحيط به، سيكون وجوده خارج المعادلة السياسية موضع مراجعة. لم تجبر السعودية الحريري على المغادرة ولكن كل ما كان يحيط به منذ العام 2019 ومواقف الدول الغربية والعربية من لبنان، ولا سيما السعودية منها دفع به إلى المغادرة.
كل ما قاله الرئيس المعتكف، سواء المعلن أو في مجالسه الخاصة يؤكد أنّ الرجل يستعد للمرحلة المقبلة، وأنه يتابع تفاصيل ما يتردد عن تسويات يجري التمهيد لها في المنطقة وهو قالها صراحة «صحيح علّقت العمل السياسي لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن أن أعطي رأيي أو التعليق على ما يجري في البلد خصوصاً في ظل ما يجري اليوم في لبنان من وضع دقيق على مختلف الأصعدة».
البارز في زيارته الحالية مغادرتة الصمت وخروج لقاءاته السياسية إلى العلن «مصورة». في ما يتعلق بعودته قال «كلّ شي بوقته حلو»، ولكنه لا يرى «أنّ هذا هو هذا الوقت الحلو» ليشرح لاحقاً كيف أنّ المنطقة مقبلة على تسويات وتفاهمات و»تصفير خلافات في ما بينها»، ويؤكد بالمقابل أنّ فشل التسوية السابقة في 2016 لا يلغي حاجة لبنان إلى التسويات وان كان سبق ودفع ثمنها من رصيده لاحقاً. لكأن الحريري يتحضر ليكون جاهزاً في تسوية تستعد لها المنطقة ليكون جزءاً منها.
الرئيس الذي يعتبر انتخاب رئيس للجمهورية هو بداية الحل، لم يخف صداقته مع المرشحين سليمان فرنجية وجهاد أزعور الذي التقاه مرات عدة في أبو ظبي، ومن موقع المحافظ على الصداقة قال «أحبّ سليمان فرنجية». فماذا إذا تبنّت روسيا التي يستعد الحريري لزيارتها ترشيح فرنجية للرئاسة واقنعت جنبلاط بانتخابه؟ استقباله قائد الجيش العماد جوزاف عون يندرج في سياق رئاسي أيضاً حيث العلاقة الجيدة تجمع الطرفين.
أيام عديدة أمضاها الحريري في بيروت. نشاطه كما مواقفه تؤكد عودته إلى الحياة السياسية «تدريجياً» وأنّ الرجل دخل في التمهيد لعودة نهائية ليعيد النظر بتياره وكل ما يحيط به. زيارته كانت موضع تقييم عربي ودولي يقول أحد الديبلوماسيين الغربيين. ليس تفصيلاً زيارته من قبل سفراء في الخماسية ومقابلته مع قناة «الحدث» السعودية وما لديه من معطيات يؤثر عدم الإفصاح عنها. «كمواطن» تحدث الحريري ومن بيت الوسط كان صريحاً مع نفسه في ما قال مقدماً «الإعتدال» كخيار وحيد «يوصل البلد إلى بر الأمان» وكان من ضمن رسائله التي مررها بسلاسة رداً على سؤال عن احتمال تدخله في انتخابات البلدية «بس بدكن المناصفة بدكن سعد وإلا بتحرقوا دينه بمطارح ثانية». ليختم «عيب والله، الناس تعبت».