إذا سارت الأمور بناءً على ما هو متفق عليه، فالإستشارات النيابية ستنتهي اليوم إلى تكليف رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري بتشكيل الحكومة مجدداً بغالبية تزيد على السبعين صوتاً.ساعات عصيبة عاشها الحريري خلال اليومين الماضيين، سعى خلالها إلى جس نبض القوى السياسية واحتساب أصوات الكتل التي ستكلفه والنواب المستقلين. يريد أن يُكلّف بغالبية نيابية تؤهله لفرض شروطه في عملية التأليف. زار الحريري رئيسي الجمهورية ميشال عون ومجلس النواب نبيه بري أول من أمس، وأوفد غطاس خوري إلى معراب. فبعد نصيحة بري توجه الحريري إلى بعبدا. لم يكن لقاؤه وعون إيجابياً. فالأخير لم يستسغ خروج رئيس “الوطني الحر” جبران باسيل من الحكومة وبقاء الحريري على رأسها وهو لم يعد مؤمناً بضرورة استمرارالأخير في الحكومة. رفض عون الدخول في التفاصيل حول الحكومة المقبلة وجلّ ما قاله للحريري “منحكي بعد التكليف”.
وفي التكليف يصرّ “حزب الله” على إبقاء موقفه من تسمية الحريري أو الامتناع طي الكتمان حتى اللحظة الأخيرة، والأرجح أن يلتزم موقفه السابق بالامتناع عن التسمية والاكتفاء بإعطاء الثقة، اللهم إلا في حال شعر بأن التسمية في مثل الظروف التي تمر فيها البلاد باتت حاجة ملحة على مستوى منع الفتنة السنية – الشيعية. وعلى عكس “حزب الله” يميل “الحزب التقدمي الاشتراكي” إلى تسمية الحريري للتكليف لكن من دون المشاركة في الحكومة، ولو أنه كما غيره من القوى آثر عدم إعلان موقفه ربطاً بالتطورات التي يشهدها الشارع وسط الخشية من أن تؤدي إلى إرجاء الاستشارات النيابية مجدداً.
لكن إذا حصل وتيسّر التكليف فقد لا يسير التأليف بسهولة ويُسر بالنظر لما يعتريه من صعوبات متصلة بالشكل والمضمون معاً، بدءاً من الكيمياء التي باتت مفقودة بين عون والرئيس المكلف إلى ما دونها من تفاصيل. في الأساس لا يزال عون كما رئيس “التيار الوطني الحر” على قناعة بضرورة اختيار شخص آخر غير الحريري لتشكيل الحكومة. لم تعد شخصية نواف سلام بعيدة من خياراتهما، بغض النظر عن موقف “حزب الله” السلبي منه.
وفي حين استمرت مصادر “بيت الوسط” وحتى ساعة متأخرة من ليل أمس تنبّه إلى وجوب أن “يكون واضحاً لأي شخص يرشح الحريري أنه سيشكل حكومة خبراء فحسب”، كان “حزب الله” يجزم أن الإتفاق سبق وتم مع الحريري على حكومة تكنو – سياسية، مستبشراً بعدم اعتراض عملية التأليف عقبات كبرى، بالنظر إلى ما كانت عليه مطالب الحريري بابتعاد باسيل عن الحكومة وعدم تكليف الأحزاب لوجوه سياسية. والمرجح أنه سينال ما طلبه بحيث أن باسيل سيكون حكماً خارج التركيبة الحكومية العتيدة والوجوه الحزبية ستخرج بكاملها، وستتم تسمية شخصيات غير حزبية بالمباشر.
لكن المشكوك فيه أن يكون “حزب الله” و”حركة أمل” داخل الحكومة ويكون “التيار الوطني” خارجها، والمؤكد أن الثنائي الشيعي سيسعى جهده لتمثيل التيار في الحكومة.
ومن السيناريوات المتوقعة لاستشارات اليوم أن يصار إلى تسمية الحريري، فينال التكليف ويطوي التأليف بانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة، أو أن يشكل حكومة أمر واقع من التكنوقراط ويرفعها إلى رئيس الجمهورية، فيمتنع عن التوقيع إذا لم تتناسب والشروط الميثاقية، فيتهم عون بالتعطيل ويرتاح الحريري، أو أن يطول التكليف إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. هذا فضلاً عن السيناريوات المرتبطة بما يمكن أن نراه على الأرض فمشهد اليومين الماضيين كان مريباً جداً مع الصدامات التي شهدها الشارع، والذي لم يعد مفهوماً، وقد تعددت جهاته وخرجت بقسمها الكبير عن السيطرة. أمام الحريري مشقة تأليف لن تكون سهلة. لكن عدد الأصوات للتكليف قد يكون مؤشراً لمرحلة التأليف، فإذا خالف الحريري التوقعات ونال التكليف بنسبة عالية من الأصوات معنى ذلك أنّ الاتفاق أنجز على التأليف وإلا فهو لا يزال ممتحناً ومقيّداً وفقاً لرسائل بثها الشارع.
وأبعد من العقد الداخلية، توجد التعقيدات المتصلة بإعادة تموضع لبنان في المنطقة في ضوء ما يعتريه من أزمات. فللمرة الأولى تجتمع في لبنان الأزمة الاقتصادية مع المالية مع السياسية وتتداخل جميعها مع العوامل الخارجية… هذا فضلاً عن حسابات متصلة بالنفط والغاز وأخرى بلائحة العقوبات الأميركية وزيارة دايفيد هيل إلى لبنان وما تحمله.