حين برز اسمُ الرئيس الشهيد رفيق الحريري في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي «سياسياً»، وتولّيه رئاسة الحكومة مرات عدّة، كان آخرها عام 2004، لم يخطر في بالِ أحدٍ، أن يسأل مرّة واحدة، مَن سيخلف رفيق الحريري؟
كان مناصروه ومؤيّدوه يدركون بأنّ هذا الرجل فرصة للبنان وللعالم العربي لن تتكرّر في المدى المنظور، ولعلّهم عمدوا الى عدم التفكير بما سيؤول اليه الوضع بعد غيابه لأيّ سبب كان عن الحياة السياسية.
رفيق الحريري، لم يخفِ عن الرأي العام اللبناني تفكيره جدّياً بتأسيس حزب أو تيار سياسي، أمام مطالبة الغالبية الساحقة من قاعدته بهذا الأمر، ولكنه كان يعتبر أنّ حصره في زاوية تنظيمية ضيّقة يفقده محبة واحتضانَ كلّ اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم المناطقية والطائفية.
ومن جهة ثانية، فإنّ تأسيسه لأيّ تنظيم سياسي، مؤدّاه أنه ينوي مستقبَلاً كباقي الأحزاب اللبنانية، توريثَ زعامته لأحد أبنائه من بعده، وهو ما كان مرفوضاً لديه على الإطلاق.
لذا، ردّد رفيق الحريري أكثر من مرة خلال إطلالاته الاعلامية، بأنه لا يشجّع أبناءه على العمل السياسي من بعده، وهو أساساً لم يهيّئ أيّاً منهم لِلَعب هذا الدور. الأمر الذي عاد وسمعه كلّ اللبنانيين في آخر جلسات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، حين تمّ عرض أحد التسجيلات الذي يتضمّن لقاءً جمع الحريري مع رستم غزالي والصحافي شارل أيوب في قصر قريطم، وفيه يقول الحريري لضيوفه: «عندي «شباب»، لكنني لم أعدّ أحداً لمتابعة مسيرتي، لقد جئتُ في مرحلة معيّنة، تنتهي مع انتهاء عملي السياسي في لبنان…».
عرَف الكثيرون الدورَ الاقليمي الكبير الذي كان يلعبه رفيق الحريري، وبأنّ ما كان يُنجزه محلّياً «نقطة في بحر» إنجازاته الاقليمية والدولية. كان بحق وزير خارجية العرب، بفعل علاقاته المميّزة مع معظم الدول الغربية، إضافة الى الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا، مروراً بالصين واليابان ودول شرق آسيا..
لكنّ رفيق الحريري، دفع حياته ثمناً لهذا الدور المِحوَري الذي لعبه، وكان لا بدّ أن يصدر القرار بإزاحته عن المشهد السياسي، تسهيلاً للوصول الى ما نراه اليوم من تطوّراٍت وأحداثٍ درماتيكية تعيشها منطقتنا العربية..
قد يسأل البعض عن أهمية وأسباب ما تمّ سرده آنفاً؟
حين اغتيل رفيق الحريري بهذه الطريقة الوحشية عام 2005، نزل جمهوره الى الشارع منذ الدقائق الأولى التي تلت استشهاده، يردّدون اسمَ نجله الأكبر «الشيخ بهاء»، كما تجرى العادة في مثل تلك الظروف، نسي الناس في ظلّ الفاجعة التي ألمّت بهم ما كان يردّده الرئيس الشهيد..
أشهر قليلة مرّت على جريمة الاغتيال، صدر بعدها عن عائلة الحريري بيانٌ تعلن فيه تسمية سعد الحريري لتولّي المهام السياسية، وإكمال مسيرة الرئيس الشهيد..
اليوم، يظهر تماماً ما كان الهدف من إكمال سعد الحريري مسيرة والده السياسية. كان المطلوب استمرار الدور الذي لعبه رفيق الحريري في المنطقة.
بالفعل، أكمل الرئيس الحريري على المنوال نفسه، نسج أفضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة، حافظ على العلاقة مع الادارة الأميركية، ولم ينسَ الروس، فتح آفاقَ التعاون مع الأتراك، ولم تنقطع يوماً زياراته الأوروبية..
تشير مصادر مواكبة للأحداث الجارية في المنطقة لـ»الجمهورية»: «قبل أيام قليلة من بدء حملة «عاصفة الحزم»، زار الحريري القاهرة واجتمع بالرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي، بعدها بساعات حطّ الرجل في تركيا، وعقد مباحثات مع أردوغان وكبار المسؤولين الأتراك».
وتؤكد المصادر نفسها: «ظهر واضحاً، أنّ سعد الحريري يلعب دوراً في غاية الأهمية، قبل إعلان ساعة الصفر!.
دور تقول المصادر، «لعبه والده كثيراً في السابق، وأزعجهم، ومَن أراد اغلاق «بيت الحريري»، لم يكن يقصد إغلاق منزله في بيروت، بل منزلته في المنطقة»..
لذا، تؤكد تلك المصادر: «على الرئيس الحريري الحَذَر، وأن يحطاط جيداً هذه الأيام، فمَن اتخذ القرار بقتل والده عام 2005، على رغم كلّ التحذيرات الدولية حينها، لن يتردَّد لحظة واحدة بإعادة الكرّة بعد عشر سنوات، مستفيداً من التخبّط الاقليمي والدولي، والفوضى القائمة في المنطقة»..
ثمّة مَن يقول، بأنّ «يد الاجرام»، قد تستعدّ لتسديد ضربتها، فلا داعي أن يكون سعد الحريري ضحيّتها، وعلى هذا الأساس، فإنّ زيارة الحريري اليوم الى لبنان يجب أن لا تكون مدوّنة في صفحات أجندته، مهما كانت الظروف ملحّة، لديه ما يكفي من الرجال، حان وقت عملهم!..