من دون مواربة، ومن دون مبالغة، وبشفافية كلية وصراحة مطلقة، يمكن القول إنَّ الوضع الذي يمرُّ به البلد هو من أخطر الأوضاع والمراحل والقطوعات، فإما أن يتجاوز هذا القطوع وإما أن يغرق، لا سمح الله، في مستنقعٍ لا خروج منه. ولهذا فإنَّ البطولة والمرجلة تكمنان في المزيد من الوعي ورباطة الجأش وليس في المزايدات التي لا تُكلِّف صاحبها شيئاً لكنها تُكلِّف البلد الكثير.
ما الذي جرى؟
مخالفة دبلوماسية تمثّلت في خرق البيان الوزاري وعدم الالتزام به، عدا الموقف الهجومي من قبل فريق 8 آذار الذي زاد من حدة التدابير التي اتخذت بحق لبنان.
لقد ورد في البيان الوزاري ما حرفيته:
إن حكومتنا حريصة على تعزيز العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة والتعاون معها. وتقتضي الحكمة، في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها منطقتنا، أن نسعى إلى تقليل خسائرنا قدر المستطاع، فنلتزم سياسة النأي بالنفس ونحصّن بلدنا بأفضل الطرق تجاه تداعيات الأزمات المجاورة ولا نعرّض سلمه الأهلي وأمانه ولقمة عيش أبنائه للخطر.
إذاً أين النأي بالنفس ؟
حصل ما حصل، وانتفضت السعودية على الموقف اللبناني، وأيدتها في هذه الإنتفاضة دول مجلس التعاون الخليجي. ونحمد الله أنَّ الرئيس الحريري في بيروت لإستنهاض الهِمَم من أجل وضع الأمور في نصابها وحثّ الحكومة على إتخاذ الموقف الذي يجب أن تتخذه. فما بعد القرار السعودي ليس كما قبله، ولا بدّ من التذكير أنَّ هذا الموقف هو الأكثر صرامةً وحدَّة الذي تتخذه المملكة في حق لبنان، وهو الأول من نوعه.
فالمملكة غالباً ما كانت تعتمد الدبلوماسية الهادئة حتى في أصعب الظروف، لكن الذي جرى ويجري في حقها جعلها تغادر مربَّع الدبلوماسية الهادئة إلى دبلوماسية المواجهة. هذه الدبلوماسية هي كلٌّ متكامل، بمعنى أنَّ مسارها لا يتألف من بند واحد بل من مجموعة متكاملة من البنود:
بدأت مع إقفال فرعَي البنك الأهلي السعودي، واستمرت مع إلغاء هبة الثلاثة مليارات دولار للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، وستستمر في خطوات تصعيدية وتصاعدية ربما يكون من بنودها سحب الوديعة السعودية من مصرف لبنان وقد تصل إلى وقف الرحلات الجوية لطيران دول مجلس التعاون الخليجي إلى لبنان بالتزامن مع ترحيل آلاف اللبنانيين من تلك الدول.
هذا سيناريو واقعيّ لخطة حقيقية، ولبنان الرسمي اليوم انتفض من قبل رئيس الوزراء تمام سلام.
أم أنَّ الأوان قد فات؟
الأمل في تحديد موقف لبنان الرسمي المتمثّل بالحكومة، وفي الضمانة الوطنية المتمثِّلة في الرئيس سعد الحريري، الذي ما انفك منذ عودته إلى لبنان، يلملم ما أمكن لملمته من وضعٍ سياسي وغير سياسي، على أمل الحد من الخسائر ووقف النزف.
اللبنانيون متمسكون بهذا الأمل، لأنه لا يمكنهم خسارة المملكة العربية السعودية ودول الخليج بأي شكلٍ من الأشكال ولا تحت أي ضغط.
من أجل ذلك، أطلق الرئيس سعد الحريري وثيقة التضامن مع الإجماع العربي من بيت الوسط، بيت الإعتدال، بيت الوفاء اللبناني للدول العربية التي احتضنت لبنان، وكان التوقيع الأول من الرئيس سعد الحريري بالذات.
كلُّ ذلك من أجل اعادة لبنان الى بيئته الحاضنة البيئة العربية التي لم تتركه يوما، وهو لم يبادرها يوما الا بالاخلاص والوفاء.
سعد الحريري، مليون شكر على اخلاصك ووفائك.