ثمة مرشحون في صيدا وجزين، سيكتشفون مع المقبل من الايام القليلة، انهم امام متاهة لا تُفضي الى الطريق السليم لسلوك مسار انتخابي يحقق لهم، ولو بالحد الادنى، بعضا من المصالح السياسية، فالمعادلة واضحة وعناصرها لاعبون يقررون صورة تحالفاتهم الانتخابية… وآخرون ينتظرون ما ستفرضه تعقيدات الحسابات الدقيقة لهذا الطرف وذاك، ويصح هذا الواقع في صيدا… كما جزين، المدينتين اللتين جمعهما قانون انتخاب في دائرة واحدة… وللمرة الاولى، وسط تجذابات وصدام في المصالح والحسابات، ستصل شظايا نتائجها الى المقرات الرئاسية الثلاثة… التي تسببت بكل هذا الكباش الحاد الجاري في المشهد الانتخابي.
هو ما تحاكيه اوساط صيداوية عليمة تواكب حركة المشاورات الماراثونية الجارية على خط «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل» ومفاوضاتهما المعقدة المبنية على حسابات دقيقة، لا يبدو ان احدا منهما سيتنازل للآخر، فالحسابات حساسة تحوم حولها جملة من الاسئلة.. هل يُسَلِّم «المستقبل» بالخروج من الانتخابات في دائرة تعتبر احد ابرز معاقله، بنائب واحد عن المقعد السني في صيدا، وهو ما يفسر على انه خسارة سياسية وانتخابية له في عاصمة الجنوب، في وقت يعاني من ارباك في مسألة عدم الحسم في ملف التحالف، والعلاقة السيئة التي اثمرتها اتصالاته مع المرشحَين عن المقعدين السنيين القيادي في الجماعة الاسلامية الدكتور بسام حمود والدكتور عبد الرحمن البزري، في حين ان الخصم الاساسي لـ «المستقبل» في صيدا، امين عام التنظيم الشعبي الناصري النائب السابق الدكتور اسامة سعد، امام فرصة وفرها قانون «النسبية» لتظهير حيثيته الشعبية في مقعد نيابي في المدينة، ليدخل الى المجلس من بوابته الواسعة التي رسمت تحالف لم تبدُ حساباته معقدة مع المرشح ابراهيم عازار عن احد المقعدين المارونيين في جزين، بدعم سيحضر بقوة من «ألثنائي الشيعي» الممثل بحركة «امل» و«حزب الله» اللذين يتمتعان بشعبية وازنة في مدينة صيدا وفي قرى وبلدات منطقة جزين، بعد ان حاصره قانون انتخابات العام 2009 الذي انتجته «صفقة الدوحة» لتأتي بالرئيس فؤاد السنيورة ليشغل المقعد الثاني، بعد ان كانت الحصة النيابية لصيدا يتقاسم مقعديها النائبة بهية الحريري والنائب الراحل مصطفى سعد.
وتصف الاوساط نفسها، مفاوضات «التيارين» بـ «مفاوضات الشطارة» التي تتسم بالحذر والتريث والغموض، بالرغم من قناعة الطرفين ان الخيارات بدأت تضيق، بالمقابل تقف جهات سياسية في صيدا، تخوض المعركة الانتخابية للمرة الاولى وبخاصة الجماعة الاسلامية، ومعها الدكتور عبد الرحمن البزري اللذين فتحا خطوط تواصلهما مع اكثر من طرف، وان كانتا تلقت اشارة من النائب في التيار الوطني الحر زياد اسود الذي تحدث عن امكانية التحالف معهما، في حال وصلت الامور مع «تيار المستقبل» الى طريق مسدود، ووفق ما فُسر كلام اسود، فان «التيار الوطني الحر» لن يدخل المعركة بحليف صيداوي واحد، ما لم يتوصل الى صيغة تحالفية تجمعه مع «المستقبل»، وهو وازَن بين الجماعة والبزري معا، انطلاقا من الحاجة الى اصوات تعزز الحاصل الانتخابي للائحة، ويعزز وضعية مرشحيه الجزينيين، وفق حساباته، وهي حسابات اصطدمت مع حسابات «المستقبل» الذي يبحث عن مقعد جزيني يعوضه خسارة مرتقبة لاحد المقعدين السنيين في صيدا، سيما وانه يتسم وضعه الانتخابي لناحية القوة التجييرية في صيدا بالارتياح على الفوز بمقعد سني في عاصمة الجنوب، لانه يواجه تحالفا يُحسب له حسابات دقيقة، فمصلحة «الجماعة» والبزري تكون بالتحالف مع «التيار» بعد حالة «الطلاق» بينهما وبين «المستقبل» الذي يتعامل مع «التيار الوطني الحر» على انه يفوقه لناحية القوة التجييرية، وبالتالي فمن حقه تعزيز وضعه في التحالف بمرشح كاثوليكي، سيما وان حظوظه بالفوز بالمقعد الثاني في صيدا يراها معدومة، فرهان «الجماعة» والبزري على الوصول الى تحالف مع «الوطني الحر» لرفع حاصلهما الانتخابي سيبقى قائما، و«كلمة سر» في ما خص التموضع النهائي لـ «التيارين» في تحالفاتهما الانتخابية، لن تأتي من اتصالات تجري بين صيدا وجزين، بل ستخرج من الاتصالات الساخنة بين قصر بعبدا و«بيت الوسط»، فلا يبدو عند «الوطني الحر» ان «الخرزة الزرقاء» التي استحضرها الرئيس الحريري في افتتاح حملته الانتخابية، ستجعله يُفرِّط بـ «السلة» النيابية الكاملة في جزين، فهو يسعى الى الفوز بالمقاعد الثلاثة… في قانون «الاكثري» وفي قانون «النسبية»!
وبالنسبة الى اوضاع مرشحي التيار الوطني الحرّ، فان مقعد النائب امل ابو زيد مؤكد وثابت، فهو يتمتع اضافة الى شعبيته الكبيرة، انه عضو في التيار الوطني الحرّ، اقوى حزب مسيحي في دائرة صيدا – جزين، وهذا الدعم من التيار سيلعب دوره الكبير في دعم النائب ابو زيد يضاف اليه التأييد الذي يلقاه من فئات سنية وشيعية في صيدا وخصوصاً ضمن الناخبين الشيعة، وتقول المعلومات ان الصوت التفضيلي سيناله ابو زيد وهو المرشح الاقوى للتيار الوطني الحر في دائرة صيدا – جزين.
وتشير الاوساط الى ان مشكلة اي لائحة من اللوائح الثلاث او الاربع، المتوقع ان تشارك في انتخابات صيدا ـ جزين، ستبرز في «الصوت التفضيلي»، باستثناء اللائحة التي ستجمع الدكتور اسامة سعد والمحامي ابراهيم عازار مع مرشح عن المقعد الكاثوليكي يتريثان في الاعلان عنه، والتي يصح القول فيها انها تخوض معركة المقعد الواحد… في صيدا عن احد المقعدَين السنيَين، وفي جزين عن احد المقعدَين المارونيَين، في قضاءين منفصلين جغرافيا، وهو ما يجنب التنافس داخل اللائحة الواحدة، بحيث يوزع الصوت التفضيلي بصورة سلسة.
ورأت الاوساط، ان القوة التجييرية لاي طرف من المنخرطين في معركة الانتخابات، يجهل القدرة الفعلية لهذه القوة، بالنظر الى ان آخر انتخابات نيابية جرت في العام 2009، وان المزاج الشعبي الذي خضع لدورات متتالية من التأزم والخيبة والانكسارات لا يمكن تقييده بحزب او تيار او جماعة كما كان قبل تسع سنوات، وبالتالي فان انتخابات الدائرة المركبة القائمة على «النسبية» ولو «المضبوطة»… وبصوت تفضيلي واحد، سيصعب على القوى اجراء الحسابات الدقيقة كي تكون مطمئنة من النتائج التي ستخرجها صناديق الاقتراع، لكن هؤلاء يُجمعون على ان المعركة ستكون الاكثر سخونة في خارطة الانتخابات في لبنان.