IMLebanon

الحريري ولعبة خلط الأوراق الإقليمية: كش ملك

 

دقت ساعة الحقيقة بالنسبة للرئيس المكلف سعد الحريري وصار لزاماً عليه أن يحسم خياراته ويقدم أجوبة. تمسكت روسيا بتكليفه لكنها لم تنبرِ للدفاع عنه، والفاتيكان لم يغفر له تصريحه الشهير على عتباته والمتعلق برئيس الجمهورية المسيحي، ومحلياً اسقط مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري والمسعى الفرنسي بزيارة فرنسا للقاء رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ولم يولِ اهتماماً لمسعى بكركي. أقله هذا ما يتوضح من سياق الاحداث ونتائجها. بات واضحاً أن الساعة تدق على ايقاع التوقيت الإقليمي وأبرز بوادرها مزيد من التقارب الاميركي الايراني والتقارب السعودي السوري المفاجئ والذي انكشف في اعقاب شحنة الكبتاغون، ودور المخابرات السورية والذي كان بدأ قبل شهرين باجتماعات للمخابرات بعيداً من الاعلام. تسارع معطيات لم تحمل ما يؤشر لخير الحريري ورهاناته.

 

ليل امس الاول اتصل الحريري بـ”حزب الله” يبلغه ان التشكيل تعتريه صعوبات جمة. وانه وان كان يصر على التشكيل “الا ان مشكلة الوزراء المسيحيين لم تجد حلاً وهناك وضع اقتصادي صعب في ظل رفع الدعم، واذا كنت المؤهل الوحيد للحل فإن الطرف الآخر لا يتوقف عن العرقلة واذا توصلت الى قناعة بأني عاجز عن ان أكمل فأنا أفكر بالاعتذار جدياً”.

 

في الاسباب التي أوجبت عليه التفكير بالاعتذار زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الى لبنان. احتج الحريري لدى الفرنسيين أن استثناءه من جدول المواعيد سيدفعه للاعتذار فأرسلت الخارجية الفرنسية برقية تعديل وفتحت جدول مواعيد لودريان وأعلن عن لقاءات اضافية من بينها لقاء يعقده مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل فاحتج الحريري لوضعه وباسيل في نفس المرتبة. رفض اقتراحاً جديداً بأن يجتمع الى باسيل أو ان يلتقيه على هامش لقاء يعقد في قصر الصنوبر لكل رؤساء الكتل النيابية. رفع الحريري سقف شروطه فأحرج نفسه والمدافعين عنه حتى “حزب الله” الذي فشل بدوره في تقريب وجهات النظر من اجل تشكيل الحكومة.

 

وكغيره من القوى السياسية لم يعرف “حزب الله” بعد اذا ما كان تفكير الحريري بالاعتذار جدياً او من باب المناورة، وهل في حال اعتذر أي شخصية سنية اخرى تستطيع تشكيل الحكومة؟ وهل من تمسك بمجيئه اي الثنائي الشيعي و”الاشتراكي” و”المردة” سيستوعب انسحابه وسيكون بمقدوره الاتفاق على مرشح آخر؟

 

لا يملك “حزب الله” فكرة واضحة عن خلفيات موقف الحريري وحجمه ولو اخذ علماً به فهل سيستطيع ثنيه عن الاعتذار ويتمسك به كما سبق وحصل قبل استقالته العام الماضي وبعدها؟ حين استقال لم ينصت آنذاك لنصيحة “حزب الله” فما الذي يجعله ينصت لرأيه اليوم؟ واضح ان “حزب الله” تعامل مع موقف الحريري بتحفظ لكونه لم يكن متأكداً اذا ما كانت الخطوة جدية ام هي مجرد رسائل للضغط، لكن المؤكد ان اي شخصية مرشحة لرئاسة الحكومة سيكون عليها اما ان تحظى بتغطية من الحريري او من المملكة السعودية، والى ان يتضح ذلك فيكون اعتذار الحريري قد استهلك العهد فعلاً وأمضى بقية ايامه بحثاً عن تكليف جديد وتكرار السيناريو القديم للمرة الثالثة على التوالي. منذ انتشر خبر نية الحريري بالاعتذار انبرى الجميع في تعداد الاسباب، وأي طرف لم يجد مبرراً للحريري في ما فعله على امتداد أشهر تكليفه. حتى الحلفاء وهم قلة تلاقوا على ملامته لكونه لم يفقه سر اللعبة جيداً.

 

تأكد للمعنيين بالملف الحكومي ان السعودية لديها رغبة بأن يكون الحريري خارج المشهد لتكون مستعدة لدعم بديل أقرب اليها وللاميركيين وباتفاق مع القوى السياسية الاخرى. فهل يساعد تطور المفاوضات الايرانية – السعودية والسعودية – السورية على ايجاد البديل ام لا؟

 

المؤكد ان الرياح الاقليمية لم تعد لصالح الرئيس المكلف واذا كان الملف اللبناني ليس مطروحاً على طاولة المفاوضات السعودية الايرانية فهل سيكون لمفاوضات السين سين انعكاسها؟

 

من بين اصدقاء الحريري من يكيل له العتب واللوم لما اوصل نفسه اليه وكيف لم يبقِ له حليفاً او صديقاً باستثناء رئيس مجلس النواب نبيه بري، وكيف انه لم يصغِ الى النصائح التي أسديت اليه بأن يحسن ادارة اللعبة ولا يقضي وقته معاتباً او مخاصماً الى ان حصل ما لا يصب في مصلحته، السعودي عند السوري والاميركي عند الايراني الذي باشر مفاوضات مع السعودي. توازنات لم يصدق الحريري انها ستحصل بهذه السرعة فاذا به يدفع ثمن رفع سقف مطالبه.

 

“كش ملك”، انتهت اللعبة وصار وضع الحريري صعباً. إما يقبل ان يستمر مهما كانت النتائج ولو هدم الهيكل على من بداخله، او يدفع الثمن ويضع حداً لمستقبله السياسي كرئيس للحكومة ويفتح الباب على مصراعيه امام مرشحين جدد، والاسماء جاهزة وقد سبق وتم استعراضها في مجالس المعنيين ولو كان من السابق لاوانه كشفها، لكن البحث الجدي في البديل كان انطلق بالفعل بعيد آخر اجتماع للحريري في بعبدا وتسارعت وتيرته منذ يوم امس وبدأت تتصاعد بورصة المرشحين، من النائب فؤاد مخزومي الى الدكتور عبد الرحمن البزري وآخرين من أسماء يجرى تداولها بصورة جدية.