للمرة الأولى منذ فترة طويلة يبدو القلق مساوراً المستقبليين مصحوباً بانزعاج يتصاعد أحيانا الى درجة الغضب من الفرنسيين.
لا يشك اثنان على استراتيجية العلاقة بين الرئيس المكلف سعد الحريري والفرنسيين عبر عهودهم المختلفة مؤخراً، وخاصة خلال مرحلة الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك مع الحريري الأب ومن ثم الإبن.
لكن ذلك لا ينفي تحليلا يسود أوساطا مستقبلية بأن إرهاصات جولة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان اللبنانية لا يعوَّل عليها كون الاخير يمثل جانبا من القرار الفرنسي وهو ليس الركن الوحيد في باريس. ومهما كان أمر هذا التحليل وما اذا كان يستند الى معلومات حقيقية، فإن الحريري يبدو منزعجاً من كل تسريبات الزيارة التي تم الاعلان عن شمولها رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري.. حتى اللحظة.
أهم ما في التحفظ الحريريّ على الموقف الفرنسي أنه يشمل الزعيم المستقبلي في تحميله مسؤولية التعثر للمبادرة الفرنسية، بينما يجب عليه، وفقا للمستقبليين، توجيه سهام الاتهام الى العهد وخاصة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل.وفي بيئة الحريري الكثير من الغضب يعبَّر عنه بخجل عبر مواقف لقيادات مستقبلية مثل مصطفى علوش وهو من صقور المستقبل، وهادي حبيش وغيرهما، تلمح الى اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة.
لم يقرر المستقبليون التصعيد حتى اللحظة مع لودريان، لكنهم يؤكدون على خروج الموقف المناسب بناء على ما ستتمخض عنه زيارة الضيف الفرنسي التي تقابلها تصريحات مستقبلية علنية باردة.
هم يكتفون برسائل مبطنة وثمة اتفاق داخلي في التيار ومعه الكتلة على تراجع في العلاقة مع باريس، لكن تلك الرسائل العلنية تقدم للودريان ترجمة واحدة: اذا كان الحريري هو معرقل بالفعل فسيقدم لك اعتذاره فور انتهاء زيارتك اللبنانية وما عليك سوى تقديم الاسم الذي ترضى عنه لرئاسة الحكومة! هو لن يقبل ان يأتي الحل على حسابه مثلما لا يقبل الاتهامات، واذا كان هو المعرقل، فسيتنحى جانبا ولتشكَّل حكومة سياسية على أنقاض المبادرة الفرنسية الداعية الى حكومة «إنقاذ»!
«لعب في الوقت الضائع»
في الفترة الماضية لجأ المتضررون من المبادرة الفرنسية الى نفي الهيبة عن الوساطة الفرنسية وقوة التنفيذ لديها. اليوم يلجأ المستقبليون الى هذه الخطة مع اعتبارهم ان لودريان «يلعب في الوقت الضائع» وكان عليه توجيه عصاه الغليظة هذه قبل ستة أشهر وليس الضغط اليوم، وهو أعجز عن فرض الحل.
وبذلك لا شأن للفرنسي بصياغة التسوية التي يتم العمل عليها في الخارج وخاصة من قبل الادارة الاميركية. والفرنسي يعلم تماما انه اعجز عن التأثير وان المفاوضات تدور خارج أروقته وان كان مشاركا فيها.
الى هذا الحد بلغ التململ المستقبلي هذه الايام وباتت رسالة الرئيس المكلف الى الخارج والداخل مفادها اعتراضي في الدرجة الاولى على «فوقية» لودريان الذي يعتبر المستقبليون ان زيارته تحولت الى أزمة بحد ذاتها كونها لا تحمل طرحا كاملا للحل، لكنها ايضا رسالة الى من يعنيهم الامر وعلى رأسهم المتمسكين بالحريري والمعنيين الرئيسيين هنا ثنائي «حزب الله» ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
لا يزال هذان الطرفان يريدان زعيم «المستقبل» مع ادراكهما للتحولات في الاقليم وللموقف السعودي من الحريري، لعلمهما ان الاخير لا يزال الممثل الاهم للطائفة السنية والضامن لمنع فتنة سنية شيعية في الشارع قد يشعَل فتيلها في أي وقت.
أما اذا كان الحريري قد اتخذ قراره بالابتعاد عن المسرح، فهو يكون قد بنى ذلك على وعي تام بما يحيطه من ظروف، لكن لعله يعلم ان مصيره كزعيم سني ولبناني سيكون على المحك. وربما كانت الفرصة الأخيرة للم شمل أنصاره حوله!
في كل الاحوال يتمثل الهدف الرئيسي للودريان في زيارته «الإتهامية» في ابلاغ المسؤولين استياء بلاده وثمة من يدرجها كونها المحاولة الاخيرة لتحقيق خرق جدي في الأزمة الحكومية التي قد يستعمل خلالها الوزير الفرنسي عصا العقوبات أو التدابير العقابية.. من دون جزرة التقارب!