طاولات المفاوضات المتنقلة من فيينا الى العراق، فاجتماعات دمشق كلها عوامل تؤثر في المشهد الداخلي، ولا يختلف اثنان ان انفتاح الرياض على دمشق تمهيدا لفتح صفحة مختلفة في العلاقة السياسية والديبلوماسية قلب الأمور رأسا على عقب وأطاح المقاييس والتوازنات الداخلية وأولى المؤشرات ما ينتظره الجميع في الملف الحكومي بعد التسريبات والمعلومات عن احتمال اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري الذي لم تنفه ولم تؤكده مصادر «تيار المستقبل» ولا يزال قائما في الكواليس.
فما حكي عن اعتذار الحريري تم تفسيره في المطابخ السياسية بأنه نتيجة طبيعية لمجموعة تطورات حصلت اخيرا، منها ما له صلة بالحريري نفسه وما له علاقة بالمتغيرات الاقليمية.
فالرئيس المكلف فشل في عملية التأليف بعد ان دخل بازارات التأليف وناور كثيرا في الملف وقام برحلات «ابن بطوطة» للتشكيل بجولة على عواصم القرار والدول المؤثرة من دون ان ينجح في تحقيق اختراق.
وثمة من يرى ان الحريري سيكون من «أضحية العيد» لاستغناء الرياض عنه في زمن التسويات الاقليمية، وان الملف صار منتهيا ويتم تجهيز شخصية سنية لخلافة الحريري في رئاسة الحكومة لما تبقى من ولاية ميشال عون الرئاسية، واذا كان البت في الموضوع وجلاء الصورة «مسألة وقت « وتفاصيل معينة، فان البحث تخطى موضوع اعتذار الحريري للدخول في ايجابيات وسلبيات الاعتذار داخليا، وانعكاس الاعتذار و»تقريشه» في حسابات الربح والخسارة، واعتبار خروج الحريري من معركة الحكومة بعد أشهر من التكليف انتكاسة لمسيرته السياسية وانتصارا للعهد بعد جولات طويلة من حروب التصفية والالغاء بين بيت الوسط وبعبدا، خصوصا ان رئيس تيار المستقبل رفع سقف التحدي في وجه رئيس الجمهورية وفريق بعبدا السياسي فارضا ذاته المرجعية الوحيدة في التأليف على قاعدة «أنا من يؤلف او لا أحد»، مما تسبب بأكثر من أزمة وجولة اشتباك.
ومن هذا المنطلق، تعتبر مصادر سياسية انه يمكن اعتبار الاعتذار ان حصل انتكاسة للحريري الذي تمسك بمعادلة «اعتذاري مقابل استقالة ميشال عون» في مرحلة معينة.
المقاربة الثانية للموضوع، تظهر الحريري في صورة مغايرة، فالاعتذار من شأنه ان يساهم في شد العصب السني حول بيت الوسط المتضامن مع زعيمه، وفي هذه الحالة يمكن القول أيضا ان الحريري الذي سيذهب الى المعارضة الشرسة سيقف مشاهدا لغرق سفينة «التايتنك» اللبنانية على أنه خارج السلطة ولم يسمحوا له بالانقاذ والتأليف.
انطلاقا من الصورة الأخيرة، لا يمكن ان يكون خروج الحريري انتصارا للعهد الذي سيواجه الانفجار الاجتماعي، فيما يقف الحريري بمنأى عن التداعيات ويظهر كمن «خلص نفسه بعد ان قفز من غرق السفينة تاركا الاخرين يغرقون»، كما انه لن يقف مكتوف اليدين ويترك العهد وفريقه بسلام، حيث تؤكد المصادر ان بيت الوسط في حالة استنفار سياسي واعلامي منذ فترة لمواكبة الأحداث ووضع خطة مواجهة تتضمن ترتيبات البقاء مكلفا لفترة طويلة بعد، او الاعتذار ان حصل لتأمين خروج سياسي مشرّف وقلب الطاولة وتأليب الشارع السني في وجه أي تكليف جديد تكرارا لتجربة مصطفى أديب او ما حصل عند تكليف حسان دياب، على قاعدة ان اعتذار الحريري لن يكون مكلفا له وحده وان التكلفة ستشمل الجميع.