تكثّف اللجنة الفرعية المكلّفة دراسة مشروع البطاقة التمويلية، اجتماعاتها في مجلس النواب عساها تتمكن من انجاز هذا المشروع خلال الأيام القليلة المقبلة لرفعه إلى اللجان المشتركة قبيل تقديمه إلى الهيئة العامة، وذلك بعد ايجاد التمويل الكافي الذي يغطي كلفة البطاقة مع انضمام المزيد من العائلات المحتاجة، إلى اللوائح التي تعدها وزارة الشؤون الاجتماعية في ضوء التدهور السريع لسعر الصرف وللوضع الاقتصادي- الاجتماعي الذي ينذر بالكثير من المآسي والويلات.
يقول رئيس اللجنة النائب ياسين جابر إنّ “هناك افكاراً بالنسبة لموضوع نقل بعض قروض البنك الدولي من مشاريع لم يبدأ تنفيذها بعد للتمويل، وهناك امكانية الحصول على قروض اضافية. وقد نضطر للجوء الى الطلب من مصرف لبنان. وهذا لا يزال ضمن المناقشة”.
الأكيد أن تمويل هذه البطاقة يشكّل تحدياً صعباً بالنسبة للحكومة المستقيلة كما للمجلس النيابي، ولكن لا بدّ من البحث بالسراج والفتيلة عن هذا التمويل طالما أن مصرف لبنان ماض في قراره بوقف حنفية الدعم، ما يعني أن الانفجار الاجتماعي صار حتمياً، وعلى الأبواب اذا لم تتمكن السلطة، بفرعيها التشريعي والتنفيذي من امتصاص نقمة الناس من خلال تقديم بطاقة “التخدير” التمويلية.
ولكن في التقريش السياسي لما يحصل، يمكن القول وفق بعض المتابعين إنّ تسريع خطوات رفع الدعم يحصل بضغط من حاكم المصرف المركزي رياض سلامة بحجة نفاد الاحتياطي من العملات الصعبة ورفضه المساس بالاحتياطي الإلزامي، خصوصاً وأنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب يختبئ وراء “صفة” تصريف الأعمال رافضاً القيام بأي خطوة من شأنها أن تشعل فتيل الغليان الشعبي بوجهه خصوصاً وأنّه يعتبر أنّ ما يحصل ناجم عن تراكم سياسات خاطئة لا يتحمّل مسؤوليتها، فضلاً عن كونه يرى أنّ توسيع دائرة تصريف الأعمال قد يدفع بالقوى السياسية إلى التمادي في شروط مفاوضات التأليف وبالتالي تأخير ولادة الحكومة فيما هو مستعجل لمغادرة السراي.
ولهذا يرى البعض أنّ الضغط الذي يمارسه المصرف المركزي، ولو أنّه يحصل تحت وطأة جفاف حنفية الدولارات، إنما قد يكون أيضاً من باب تعبيد الطريق أمام دخول رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري إلى السراي، ذلك لأن الأخير يخشى الاقدام على هذه الخطوة لانفجار لغمها بوجهه في أول أيام رئاسته، وهو لهذه الغاية يفضّل أن تقوم حكومة حسان دياب بدور كيس الرمل لمواجهة البركان الشعبي.
هكذا ثمة من يعتقد أنّ مسارعة المصرف المركزي إلى رفع الدعم، وهو فعلها في ما خصّ المواد الغذائية، وها هو يتجه إلى تقليص الدعم على البنزين اذا ما جرى السير باقتراحه القاضي بأن تدفع الشركات على أساس سعر الدولار 3900 فيتكفّل هو بالباقي إلى حين اقرار البطاقة التمويلية، فيما الخلاف لا يزال قائماً حول لائحة الأدوية التي سيبقي على دعمها. أمّا الفيول حاجة مؤسسة كهرباء لبنان، فقد أبلغ المصرف المركزي وزارة الطاقة بأنّه لن يسدد إلا قيمة السلفة التي أقرها مجلس النواب والبالغة 200 مليون دولار، والتي قد تكفي حتى نهاية آب المقبل. أما بعدها فهي العتمة، فيما يؤجل إلى اللحظة قرار رفع الدعم عن المازوت.
بالنتيجة، يمكن القول إنّ قرار رفع الدعم قد انطلق لتكرّ سبحة الخطوات المماثلة الواحدة تلو الأخرى بمبادرة ذاتية من مصرف لبنان طالما أنّ الحكومة ومجلس النواب يتقاذفان هذه المسؤولية ويرفض أي منهما تحمّلها. وفق المتابعين، فإنّ سقوط أحجار الدعم الواحد تلو الآخر سيريح الحريري من أثقال هذه القرارات الصعبة غير الشعبية، فيدخل السراي، فيما لو حالفه الحظ والظروف الاقليمية بأقلّ “مواد متفجرة”، ليسيّر دفة اعادة الترميم.
ولكن هل هذا يعني أنّ طريق الحريري إلى السراي ستكون مسهّلة اذا ما سارع المصرف المركزي إلى فرض ما تخشى السلطة السياسية الاقدام عليه؟ حتى الآن، لا يبدو الجواب ايجابياً، وثمة الكثير من العراقيل التي تبعد الحريري عن العودة إلى السراي بعدما آلت لغيره.