دخلت البلاد مرحلة جديدة بعد إعلان الرئيس المكلّف سعد الحريري إعتذاره عن تأليف الحكومة على رغم معرفته من اليوم الأول لتكليفه الصعوبة في إتمام هذه المهمة.
إنتصر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل على الحريري في مواجهة غير متكافئة، فباسيل إتكل على سواعد “حزب الله” التي لم تخذله وإمساك عمّه بختم الرئاسة، في حين أن الحريري دخل المواجهة متخاصماً مع حلفائه السابقين وعلى رأسهم رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع ورئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط، والأهم من هذا كله أنه افتقد المظلة الأكبر وهي مظلة المملكة العربية السعودية.
وفي السياق، فإن سجلّ اعتذار الرؤساء المكلّفين بعد عام 2005 ليس كبيراً، فقد افتتح مرحلة الإعتذارات الرئيس عمر كرامي الذي سقطت حكومته بعد زلزال 14 شباط، فأعاد الفريق السوري تكليفه لكنه لم ينجح بالتأليف فاعتذر وتمّت تسمية الرئيس نجيب ميقاتي لترؤّس حكومة أشرفت على الإنتخابات النيابية.
أما الإعتذار الذي كان له الصدى الأكبر فقد حصل بعد الإنتخابات النيابية عام 2009، يومها فازت قوى 14 آذار بالغالبية البرلمانية وتمّ تكليف الحريري لأول مرّة في مسيرته السياسية لتأليف حكومة بأغلبية مهمة تخطّت 110 أصوات نتيجة تصويت قوى 8 آذار له، لكن إصرار الحريري على عدم توزير الراسبين في الإنتخابات وعلى رأسهم باسيل وإصرار “حزب الله” وعون على هذا الأمر أعاق تأليف الحكومة فاعتذر الحريري، ولكن تمّت إعادة تكليفه بأغلبية بسيطة ونجح في تأليف الحكومة قبل أن تسقط بفعل إنسحاب وزراء قوى 8 آذار في كانون الثاني من العام 2011.
اليوم يعود الزمن 12 عاماً إلى الوراء، ويُعاود الحريري الإعتذار، ولكن هذه المرّة تظهر التداعيات الشخصية عليه والوطنية أصعب بكثير، فحينها كان الحريري في عز قوته وكانت البلاد لا تعاني من أزمة إقتصادية حادة مثل اليوم، ولم يكن هناك من منافس على الساحة السنية، وكان الحريري منتصراً في الإنتخابات النيابية ويعرف ان تسوية “الدوحة” ستسمّيه مجدداً.
لا يشبه وضع الحريري الحالي أيام 2009 ولا حتى أيام إسقاط حكومته عام 2011، إذ إن الرجل يقف على مفترق طرق خطير وقد يكون كل مستقبله السياسي في خطر نتيجة إفتقاده المظلة السعودية، ووجود منافسين جدّيين على الساحة السنية التي تعاني مثل كل الساحات اللبنانية من الأزمة الاقتصادية الحادة، كما أنّ البلاد مقبلة على إنتخابات نيابية والشعب يعِد بمحاسبة جميع السياسيين الذين أوصلوه إلى هذه الحالة ومن ضمنهم الحريري.
عندما أبرم “إتفاق الدوحة” إرتاح الحريري عاماً خارج السراي ليترأّس أول حكومة في تشرين 2009، وبعد الإنقلاب على حكومته عام 2011 إختار الحريري المنفى الطوعي وحُكي كثيراً عن عدم عودته إلى لبنان، لكن التسوية الرئاسية عام 2016 أعادته مجدداً إلى السراي، وكانت تلك التسوية تنص على أن يبقى رئيساً للحكومة طوال عهد عون، لكن إنتفاضة 17 تشرين أسقطت كل التسويات والأبراج العاجية.
ويبقى السؤال الأهم هو: بعد إنسداد الأفق داخلياً وخارجياً أمام الحريري، أي تسوية أو حدث سيعيده إلى السراي مجدداً، وهل هناك من أمل لتلك العودة؟