Site icon IMLebanon

الحريري بعد حكومة ميقاتي

 

وُلدت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في 10 أيلول بعد مخاض استمرّ 13 شهراً، واعتذار شخصيتين عن التأليف: الرئيس سعد الحريري وقبله السفير مصطفى أديب. عوامل عدّة فرضت تأليف الحكومة في هذه المرحلة، أبرزها التقاطعات الدولية بعد الانسحاب الاميركي من أفغانستان، الممتدّ من واشنطن الى باريس مروراً بموسكو ووصولاً الى طهران، بالتوازي مع بلوغ سرعة الانهيار في لبنان الخطوط الحُمر، في وقتٍ يضع الخارج مُجتمعاً «حدوداً» لهذا الانهيار بسبب تداعياته على الدول الغربية التي تتفادى مصدر توتّر وانشغال ونزاع جديد.

 

الى ذلك، لا شك في أنّ مرونة ميقاتي في التعاطي مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وعدم ممانعته التواصل مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، بعكس الحريري، شكّلا عاملاً دافعاً الى التأليف. إنطلاقاً من ذلك، يستخدم «عونيون» التأليف لـ«إثبات» وجهة نظر العهد أنّ العرقلة في مرحلة تكليف الحريري كان مردّها الأخير الذي «كان ينتظر ضوءاً خارجياً سعودياً لم يأتِه، ولأنّه تصرّف بشخصانية مع عون وباسيل». في المقابل يرى تيار «المستقبل» أنّ «كلام العونيين يحمل كثيراً من الاستنتاجات الكاذبة ومن روحية باسيل: قَول الشيء وعكسه»، معتبرةً أنّ «التعامل مع العهد بات من الصعوبات». من جهتها، تعتبر مصادر نيابية من كتلة «المستقبل» أنّ «هناك رئيسين في بعبدا: الرئيس عون ورئيس الظلّ جبران باسيل، وهذا الأمر ليس بجديد، وقاله الحريري في 14 شباط 2019، والجميع يعلم أنّ القرار الذي يُتخذ في بعبدا يأخذه باسيل. لكن بمعزل عمّا إذا كان الرئيس ميقاتي قد تواصَل مع باسيل أم لا، فلقد قام بما قام به وأصبح هناك حكومة، والأهم الآن كيف يمكن أن تقوم هذه الحكومة بالعمل المطلوب منها وأن تعمل وتُنتج وتوقِف الانهيار».

أمّا على صعيد العلاقة مع ميقاتي، وإذا كان الحريري يمدّه بـ«كلّ الدعم» لأنّه ينسّق خطواته معه، فتشير مصادر قيادية في تيار «المستقبل» الى أنّ ميقاتي «شخصية سياسية متكاملة وليس قاصراً لكي ينسّق مع أحد في كلّ خطوة يقوم بها، لكنّه بالتأكيد نسّق لدى قبوله التكليف مع رؤساء الوزراء السابقين في الخطوات العامة والخطوط الحمر». من جهتها، تُبدي مصادر نيابية ارتياح التيار للتأليف، مؤكدةً موافقة الحريري على ما أدلى به ميقاتي من القصر الجمهوري بعد إصدار مراسيم التأليف لجهة وقف الانهيار، وإصلاح القطاعات من الكهرباء الى غيرها، والتفاوض مع صندوق النقد الدولي عبر خطة واضحة. وبالتالي، إنّ ثقة الحريري و«المستقبل» في ميقاتي مطلقة ومستمرّة، ومن المرجّح أن تُترجم بمنح الثقة للحكومة في مجلس النواب، على رغم انتظار الكتلة البيان الوزاري لتحسم قرارها.

 

سياسياً، يرى البعض أنّ الحريري أخطأ، فهو الذي يعاني أمام جمهوره فضلاً عن خسارته علاقاته الخليجية وبروز رأي عام ضد السلطة السياسية كلّها، بمَن فيها الحريري، بعد 17 تشرين الأول 2019، كان يُفترض به أن يترأس حكومة تحقّق إنجازات تنعكس بدورها على موقعه وشعبيته خصوصاً على أبواب الانتخابات النيابية. وفي حين يبدو أنّ الحريري منكفئ عن العمل السياسي منذ اعتذاره عن التأليف، بحيث خرج من السلطة ولم ينخرط في معارضة أو يحاول إعادة الوصل مع الحلفاء السابقين، يظهر أنّه سيكتفي بتركيز عمله على التحضير للانتخابات النيابية المقبلة لعلّها تعيد الى تيار «المستقبل» ما خسره. وتقول مصادر التيار إنّ الحريري «غائب عن الساحة السياسية لكنّه يشارك من خلال بيانات وتعليقات وتغريدات، فيما تَواصله دائم مع رؤساء الوزراء السابقين وكتلة التيار النيابية»، فيما ترى المصادر النيابية أنّ «كلّ القوى السياسية منكفئة وليس فقط تيار «المستقبل»، لكن لدينا ملء الثقة في جمهورنا والناس والشعب اللبناني بأنّه قادر على أن يميّز الأبيض من الاسود، وسنحضّر للانتخابات النيابية المقبلة ونريد أن تُجرى في موعدها الدستوري في أيار».

 

وفي حين يعتبر البعض أنّ ميقاتي إذا نجح في الحدّ من الانهيار، وهو في هذه المرحلة يقدّم كثيراً من المساعدات لأبناء الشمال وطرابلس تحديداً، سيعزّز وجوده طرابلسياً وبالتالي انتخابياً، وهذا سيكون على حساب الحريري و»المستقبل»، تقول المصادر إيّاها: «ليست هذه حساباتنا بل أن يبقى بلد لكي تُجرى الانتخابات، وإذا تمكّن ميقاتي من الانجاز سنربح جميعاً وإذا سقط سنسقط جميعاً، إن في الانتخابات أو من دونها».

 

وعلى الصعيد الداخلي لتيار «المستقبل»، هناك ورشة عمل جارية لـ«الاستفادة من الثغرات التي حصلت في المرحلة الماضية ولإصلاح أيّ خلل وُجِد أو هناك مؤشرات إليه». أمّا غياب «المستقبل»عن المساعدات الاجتماعية، خصوصاً في الشمال وطرابلس حيث يؤدي ميقاتي دوراً كبيراً، فترى مصادر «المستقبل» أنّ «الخصوم يحاولون رمي زيت على النار في هذا الموضوع، لكن لدينا ثقة في الناس ومشروعنا، والناس ينتخبوننا انطلاقاً من مشروعنا الذي استشهد من أجله الرئيس رفيق الحريري، وسنكمل به، صحيح أنّ هناك كبوات وعقبات لا ننكرها، لكن هذا لا يعني أبداً أنّنا سنحيد عن بوصلة بناء الدولة اللبنانية السيدة القادرة الحرّة المستقلة والنظام البرلماني الديموقراطي».

 

يعترف تيار «المستقبل» أنّ «وضعه المادي المتعثّر جعله لا يؤدّي الدور المطلوب منه في إطار المساعدات التي اعتادها اللبنانيون»، لكنّه يعمل على خطوات أخرى لكي يتمكّن من «الوقوف الى جانب الناس بكلّ الامكانات المتوافرة لديه». وفي هذا الاطار يجري العمل على مساعدات تُحَضّر عبر إشراك أصحاب قُدرات وإمكانات مستعدّين لمساعدة «المستقبل»، وهم لبنانيون مقيمون في لبنان والخارج. وفي حين يغيب «المستقبل» عن المساعدات الاجتماعية، برزت «هدية» الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله الى أهالي شهداء وجرحى انفجار التليل في عكار عُمق البيئة السنية. وبالنسبة الى «المستقبل» إنّ «حزب الله» لا يقدّم هدايا مجانية، فلديه مشروعه ويعمل عليه، والساحة مفتوحة، ويمكن للجميع أن يتنافسوا في كلّ الساحات، لكن أكبر هدية يقدّمها «حزب الله» الى جميع اللبنانيين هي أن يعود الى لبنان وينخرط بالدولة ويضع سلاحه بتصرّف المؤسسسات الرسمية ضمن خطة استراتيجية دفاعية واضحة، بدلاً من أن يكون أداة في مشروع إيران في المنطقة». أمّا سياسياً، فيعتبر «المستقبل» أنّ «حزب الله» ساهم كثيراً في ايصال الاوضاع الى ما وصلت اليه اجتماعياً واقتصادياً ونقدياً ومالياً»، وهو «لن يرضخ لهذا الواقع»، لكنّ تعاطيه مع «الحزب» سيبقى على ما كان عليه، ولن يسمح بفتنة في البلد، فـ»السلم الاهلي وتعزيز الوحدة الوطنية أمران أساسيان».