أين الرئيس سعد الحريري بعد تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي؟ وهل صحيح انه غائب حتى إشعار آخر عن البلد والمشهد؟
يستند أصحاب التساؤل الى تجارب سابقة كان يبتعد خلالها الحريري طويلاً عن المسرح السياسي، خصوصاً عند خروجه من السرايا لهذا السبب او ذاك، ولا تفوت هؤلاء الاشارة على سبيل المثال الى الغياب الأطول للحريري، والذي امتد لسنوات بعد تولّي ميقاتي رئاسة الحكومة عام 2011، الأمر الذي ترك آنذاك فراغاً في تياره وبيئته، ما سمح لعدد من منافسيه داخل البيت الواحد وخارجه بتوسيع أدوارهم ومواقعهم على حسابه.
لكن، هناك في المقابل من يستبعد كلياً ان يكرر الحريري السيناريو المجرّب وان يكون قد استخلصَ الدروس من تبعات الانكفاء السابق. وما يعزز هذا الاقتناع هو انّ رئيس «تيار المستقبل» سيواجه بعد أشهر قليلة اختباراً سياسياً قد يكون وجودياً بالنسبة إليه، ويتمثل في الانتخابات النيابية المقبلة.
صحيح انها ليست اول انتخابات يخوضها الحريري، ولكنها هذه المرة تبدو له أقرب إلى مسألة حياة او موت بالمعنى السياسي للكلمة، لا سيما انّ خصومه، وحتى بعض المراقبين الحياديين، يعتبرون انه انتهى سياسياً ربطاً بالعوامل الآتية:
– إخفاقه في تشكيل الحكومة ونجاح ميقاتي في هذه المهمة.
– الصعوبات المالية المتراكمة التي يواجهها نتيجة الانتكاسات في أعماله التجارية، خصوصاً إفلاس شركة «أوجيه» وما رَتّبه ذلك من تداعيات حادة على قدراته المادية.
– مشكلته الظاهرة او المُستترة مع السعودية التي كانت الداعم الأساسي له في مراحل العز.
– الدور الصاعد لبهاء الحريري الآخذ في التمدّد لبنانياً عبر أنشطة إعلامية وخيرية تستفيد من تراجع نفوذ «تيار المستقبل»، بل حتى «حزب الله» تمكّن أخيراً من تحقيق خرقٍ لافت في معقل التيار في منطقة عكار حيث قدّم مساعدات مالية الى أهالي أضحايا انفجار التليل.
تختلف القراءة والمقاربة في بيت الوسط، حيث يعتبر القريبون منه انّ هناك تضخيماً للعوامل المُشار اليها ومبالغة في تقدير أثرها في مستقبل سعد الحريري السياسي.
ووفق معلومات هؤلاء، فإنّ «الحريري موجود خارج لبنان لفترة قصيرة من أجل متابعة بعض الأعمال التي كانت مجمّدة خلال فترة تكليفه، وهو يواكب الاوضاع الداخلية ويعقد اجتماعات عبر تقنية الـ«زوم» مع مساعديه في بيروت للبحث في شؤون سياسية وأخرى تنظيمية، على أن يعود قريباً الى قواعده في لبنان، وبالتالي لا قرار بالانكفاء والابتعاد كما يروّج البعض».
ويؤكد المطلعون على ما يدور في خاطر الحريري انه لا يخشى الانتخابات النيابية المقبلة، «بل يثق في أن الناس سيُنصفوه، مع التشديد على انه يحترم في اي حال خيارات الناخبين، أيّاً تكن».
ويلفت هؤلاء الى انّ القاعدة الشعبية للحريري تتفهّم واقعه المالي، وعلاقتها به تجاوزت أصلاً هذا الإطار الى البعد الأوسع، انطلاقاً مما يمثله كخيار سياسي وكحامل لإرث والده بكل ما يرمز اليه من إعمار ونهوض وازدهار وعلم.
ويهزأ المحيطون بالحريري من مقولة انه انتهى سياسياً وشعبياً، مشيرين الى ان من يروّج لها لا يعرف طبيعة الصلات التي تربط رئيس «المستقبل» بالناس، وصناديق الاقتراع ستفاجئهم بنتائجها.
اما حكومة ميقاتي التي وُلدت على أنقاض تكليف الحريري، فإنّ اللصيقين برئيس «المستقبل» يتفادون إعطاء انطباع إيجابي عنها، مُكتفين بالتشديد على أن الحريري كان قد تمسك خلال فترة تكليفه بتشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين، تنسجم مع المبادرة الفرنسية.
وعندما تستفسر عما اذا كانت هذه المواصفات تنطبق على وزراء حكومة ميقاتي، يأتيك الجواب ملتبساً كالآتي: إسأل ميقاتي عن وزرائه…