برزت على هامش اللقاءات التي أجراها رئيس الجمهورية ميشال عون من أجل انعقاد طاولة الحوار في قصر بعبدا، وصولاً إلى المقاطعين والمؤيّدين، اصطفافات سياسية جديدة بدأت تتوالى معالمها من خلال مواقف سياسية ولقاءات تجري في العلن او بعيداً عن الأضواء، وهذا ما يشبه إلى حدّ بعيد الإصطفافات التي شهدها البلد بعد حقبة العام 2005 أي 8 و14 آذار، في حين أن المتابعين لهذه الأجواء والمؤشّرات يؤكدون بأن لا عودة إطلاقاً إلى هذه الصيغة التي فرضتها الظروف ومرحلة معينة، لان ذلك لا يتطلّب ظهور حركات سياسية أو صِيَغ جبهوية، كما كانت الحال في مراحل سابقة، ربطاً بالتطورات والمتغيّرات والتحوّلات السياسية الداخلية والإقليمية، وصولاً إلى الإستحقاقات الدستورية النيابية والرئاسية.
في هذا الإطار، تكشف المعلومات، بأن حزب الله قد يدعو في وقت ليس ببعيد إلى عقد لقاء للأحزاب والقوى التي كانت تجتمع دورياً، والتي لها هيكليتها ومنسّقيها، ولكن الإنتخابات النيابية السابقة، وما رافقها من تباينات وخلافات أدّى إلى تصدع هذه الجبهة، والتي كانت تضم معظم قوى الثامن من آذار تحت مسمى «الأحزاب والقوى الوطنية والإسلامية»، وتحديداً أن الإستحقاقات التي تضجّ بها الساحة الداخلية، وهذا بات يتطلب إعادة قوى الممانعة للعب دورها، وبالتالي، أن الحزب يعمل على توحيدهم قبل الإنتخابات النيابية المقبلة من أجل الفوز بالأكثرية، وهذا يتطلّب أن يكون التحالف متماسكاً ومنسّقاً بخلاف المرة الماضية.
أما في الضفة الأخرى، لوحظ أن قوى 14 آذار، والتي كانت متماسكة وتضم معظم القوى المسيحية الأساسية من «القوات اللبنانية» إلى «الكتائب» و»الكتلة الوطنية» و «الوطنيين الأحرار» إلى شخصيات مستقلّة، فإنها اليوم تواجه شرخاً كبيراً بعدما خرج «الكتائب» وتحالف مع بعض قوى المجتمع المدني، حيث هناك أجواء عن لقاء أو مؤتمر للحزب وهذه القوى، ستعلن خلاله التحالفات الإنتخابية وأسماء المرشحين في معظم المناطق اللبنانية، في وقت أن «الأحرار» وأحزاب وتيارات وشخصيات مستقلة انضووا في «جبهة سيادية» معارضة بشدة لبعض المكوّنات اللبنانية والإقليمية، وتتمسّك بخطاب عالي السقف، ومن هنا، ونظراً لظروفه وخصوصيته، لم يستطع «التقدمي الإشتراكي» المشاركة ضمن هذه الجبهة للحفاظ على وحدة الجبل ومصالحته، على الرغم من الإتصالات التي أجريت مع قيادات إشتراكية، لكن ثمة استحالة لمشاركة جنبلاط في مثل هذه الجبهة، على الرغم من التوافق معها في مسائل وطنية واستراتيجية.
على خطٍ موازٍ، برز تحالف «القوات اللبنانية» و «التقدمي الإشتراكي» مع اقتراب موعد الإنتخابات النيابية، وعلى الرغم من التباينات السياسية حول قانون الإنتخاب الحالي، الا انهما ركيزتان أساسيتان على الساحتين المسيحية والدرزية، وكلاهما يترقّب وينتظر ما سيُقدم عليه «تيار المستقبل» عندما يقول رئيسه سعد الحريري كلمته، أكان بالنسبة لعودته إلى لبنان قبل ذكرى استشهاد والده في 14 شباط المقبل، والتي يبدو أنها باتت محسومة، إلا في حال حصلت بعض المطبّات التي تحول دون هذه العودة، كذلك هناك انتظار لما سيقدم عليه الحريري لناحية خوض الإنتخابات النيابية أو عدمه، أو عدم ترشّحه شخصياً، لذلك، وفي حال انضم «المستقبل» إلى «الإشتراكي» و»القوات»، عندئذٍ يكون هذا التحالف قوياً في السياسة والإنتخابات ، لا سيما في الجبل والشمال وبيروت والبقاع ، حيث هناك ثقل سنّي و»مستقبلي»، مما يعيد خلط الأوراق مع الطرف الآخر الذي يلملم صفوفه.
لذا، فالأيام المقبلة كفيلة بتحديد مسار هذه الإصطفافات والتحالفات والتوجّهات في حال لم يطرأ ما من شأنه أن يعيد الأمور إلى ما كانت عليه من تباينات ومصالح سياسية وانتخابية لدى هذا الطرف وذاك.